للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحديد والنار، العصر الذي يتطلب من أدبائنا أن يكونوا طليعتنا في إدراك الوضع الحاضر والاستعداد له وتلقف الفلسفات التي تنطوي عليها حضارة هذا العصر ومدنيته، فنتطلب من شاعرنا وأديبنا أن يكون شخصاً ذا رأي وعقيدة، فهذا أمر إن جاء في حساب الأستاذ فإنما يأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة. . . وهو إذا أراد أن يقول كلمته في أمر اللفظ والمعنى فإنه يعود تواً إلى الجاحظ والجرجاني ولا يزيد عليهما. . . أما الأعصر التي مرت على البشرية بعدهما فلا حساب لها عند الأستاذ. . . (أما المتقدمون من نقدة الأدب العربي فأكثرهم على أن المعاني على قوارع الطرق (!. .) وإنما يتفاضل الناس بالألفاظ). ولسنا ندري على قارعة أي طريق وجد المعري معانيه في لزومياته ورسائله، أو المتنبي في شعره الخالد!

ويعود حضرته فيؤكد ويقول (وإنما الأدب هو الصيغة اللفظية التي يعبر بها عن هذا الإحساس، وعلى مقدار التوفيق في هذه الصياغة تكون قيمة القطعة الأدبية) فالأمر كله على الثوب ورحم الله حجا وثوبه في مأدبته المشهورة!

ولو كان نقد الأستاذ موجهاً إلى أحد أدباء العربية غير العقاد لجاز أن يوجه بعض التوجيه، ولكن العقاد أديب لم يتهاون مطلقاً في أمر اللفظ القوي والأداء المستقيم) وهو يتحرى ذلك فيما يكتب وينقد. وقد اضطر في نقد له لجبران أن ينزل به لأنه كان في نظره ليس بالمتين في اللغة والأداء. وبيان العقاد في العربية أنصع بيان وأقومه، ويشهد بذلك كل (بياني) ولو شئت لأتيت بالأمثلة، ولكنها لن تغني سادتنا (اللفظيين) لأن الفن فيها لا يستكنه بالرجوع إلى اللسان أو القاموس المحيط! فاللفظ هو كل شيء في أدب إخواننا أصحاب الرافعي. ولست أعلم ما رأي الأستاذ الطنطاوي في كتاب (ألف ليلة وليلة)، هل مرجع الأهمية فيه الصيغة اللفظية أم سمو الخيال؟ وهل يرى الأستاذ أن قصيدة (ترجمة شيطان) للأستاذ العقاد هي (أشبه بالعمالقة الضخام، ولكنهم يحملون حفنة من الحصى) أم أنها ملحمة لا مثيل لها في العربية؟

ولنأت الأستاذ الطنطاوي إلى آخر حديثه فنسمعه يقول عن نقد هذا البيت!

قلبي يحب وإنما ... أخلاقه فيه ودينه

(أن انتقاد هذا البيت وتشبيهه بالخطب المنبرية الجافة تحقير للحب، وتنزيل له إلى حيث

<<  <  ج:
ص:  >  >>