على مبادئه أن تعصف بها الأهواء والمغالطات، ولم يخطر بباله يوماً ما أن يخطو خطوة واحدة من أجل غرض شخصي
وكان لا يزال يرى في دوجلاس أخطر خصومه، لا لما كان بينهما من منافسة، بل لما كان يمتاز به ذلك الرجل من المكر الشديد والمقدرة على أن يخدع الناس في سياسة بلادهم ليصل من وراء ذلك إلى تحقيق أطماعه الشخصية وهو لا يراعي في الحق إلاً ولا ذمة
وكأن دوجلاس لم يكفه ما كان من جدال فحمل في أهايو على الحزب الجمهوري وقذفه بما شاء من اتهامات. فذهب لنكولن وخطب الناس في كولمبس وسنسناتي، وفي هذه المدينة أعلن سياسته في صراحة وجلاء، قال: (إني أعلن أول الأمر لأهل كنتولي أني كما يقولون - ولكن كما أفهم أنا - جمهوري أسود؛ إني أعتقد أن نظام العبيد خطأ خلقي وسياسي، وإني أود ألا تنتشر العبودية من بعد في هذه الولايات المتحدة!
ولم يقتصر كلامه على نظام العبيد بل تكلم في شؤون أخرى كانت تهم الناس، منها راس المال ونظام العمل، ولقد أطرب في ذلك السامعين وملك مشاعرهم؛ ولما رأى إقبالهم على هذا الحديث أعاده في سوق جمعية زراعية في حفل أقامته بعد ذلك بأسبوعين فقال أنه يرى رأس المال مديناً في وجوده للعمل، فللعمل لذلك أهم وأعلى منزلة، وإن خير عمل هو ما يقوم به الفرد الحر الذكي المستقل الذي يعد ذخر البلاد وعتادها. . .
وفيما هو ينافح عن حزبه ويجادل خصومه في مبادئه إذ وقع في البلاد حادث جديد زاد هياجها وكان مثله مثل الزيت يلقى به على النار وذلك هو حادث جون برون، فإن هذا الرجل على كبر سنه قد أعلن الثورة لتحرير العبيد، ولقد كانت له قبل ذلك بثلاث سنوات حركة جريئة لنصرة قضيتهم في كنساس، وقد عول اليوم أن يذكي نار الثورة في البلاد إذ لم يطق صبراً على بقاء هذا النظام البغيض، وكان أهل الجنوب قد قتلوا ابنه من قبل وباتوا يتربصون به ليقتلوه هو. . .
خرج هذا الرجل في ثمانين لا أكثر من الرجال، منهم خمسة من الزنوج؛ وكان قلبه يفيض حماسة، فأعلن خطته في جرأة الأبطال واستهتارهم بالموت، ألا وهي حق كل زنجي أن يثور على مالكه، فليس أمام هؤلاء الزنوج غير القوة؛ ولكن جون برون لم يكد يخطو الخطوة الأولى ويستولي على مركز يجعله قاعدة لحركته حتى غلب على أمره فحوكم