ولكن يجب أن تفهم بالتأمل في باطنها، بجهد يجعلنا نحس أننا قادرون على خلقها في أنفسنا!
الشعر خلق لا تأثير ولا حالات إحساس - كما هو عند الرمزيين - ولكنه قوة إحساس عقلي.
إن شعر (فاليري) هو أكثر تعلقاً من شعر (مالارمي) بالعاطفة التي تنحدر إلى ما وراء الطبيعة. هو جهد يضعنا في اتصال - لا بأهواء إنسان ولا بهذا العدم الذي هو إنسان ولكنه يصلنا بنفس الوجود المنظور كلعبة دقيقة من الأفكار السامية. وإن من الصعب التكهن عن مستقبل هذا النزوع المبتدع. فقد يمكن أن يتلاشى غداً ولا يبقى منه شيء. ولكن من المحتم الإيمان بعبقرية فاليري الشعبية. . . ولا ينكرها عليه من لا يرون في هذا النزوع إلا هزيمة متكبرة، وإلا مقاطيع يتلقنها صاحبها من العمل المبهم وقبسات الجمال الخالد، ولا يمكن جحود تأثير الشاعر الراهن، ولكنه ما هو إلا شعر فئة مصطفاة ضئيلة العدد، ولكن الذين يتلون سببنوزا وهيجل قليلون ولم يغض هذا من عظمتهما وعبقريتهما.
المذاهب الأدبية المضادة للمذهب المدرسي
لقد رأيت أن شعر (مالاري وبول فاليري) ومن حذا حذوهما كان كله نزوعاً حاداً للانفصال عن تقاليد العقل والفن، ومنها التقاليد التي تبدو لنا أنها متعلقة بطبيعة عقلنا ومعانينا. هنالك مدارس ترى أن هذه التقاليد ليست إلا اصطلاحات بل أبسط اصطلاحات وأكثرها سطحية.
الموسيقى يجب ألا تكون إلا لذة الألحان، فكل الموسيقيين إذا وضعوا فيها أفكاراً وعواطف هي شكل مسهب لأفكارنا؛ والدهان يجب أن يكون اللذة الوحيدة للأشكال والألوان، فكل الدهانين إذاً وضعوا فيه مواضيع، منها موضوع زهرة أو مرجل والزهرة تلقن فكرة زهرة، والمرجل فكرة مرجل! أما الفن فيجب أن يكون محضاً أو صافياً، أي تنظيم ألحان وألوان وأشكال. يكفي لنفسه ويبدع لنفسه شرائعه الخاصة دون أن ينشأ أي سأم من تشابهه مع الحقيقة العلمية. وهكذا نشأ فن محض في أنواع الفن، ومنه الأدب الذي نشأت فيه مقاطيع وروايات يظهر أن هدفها ليس إلا إذهال نفس القارئ أو الناظر. وما شعر مالارمي أو فاليري إلا مشاهد ذات لون خاص، طليقة من كل تقاليد العقل والفن، ومنها التقاليد القائمة على عقلنا وحواسنا. ونشأ بين الروائيين (برست) صاحب كتاب (وراء الزمن