هناك فرصة لتغذية القابلية التي كان قد اكتسبها، ولا يشعر بدافع يدفعه إلى قراءة شيء يحرك ويجدد تلك القابلية، فينسى في حياته الجديدة، بصورة تدريجية كل ما كان اكتسبه في حياته المدرسية. . .
إن القول بأن (التعليم في الصغر كالنقش في الحجر) بصورة مطلقة، لا يتفق مع الحقائق الراهنة: فإن الدماغ ليس نوع من الأحجار الجامدة التي تحافظ على كل ما ينقش فيها؛ والقابليات التي يكتسبها الدماغ لا تشبه النقوش التي تحفر على الحجر بوجه من الوجوه؛ ولا سيما دماغ الطفل، فإنه يمتاز بمرونة كبيرة، يكتسب بسرعة، غير أنه قد يفقد أيضاً بسرعة
هذه حقيقة هامة يجب أن نضعها نصب أعيننا عندما نفكر في أمر التعليم الإلزامي ومكافحة الأمية: يجب علينا أن نهتم بتغذية قابلية القراءة وتقويتها - بعد المدرسة - بقدر ما نهتم بتوليدها وتنميتها في المدرسة. . . يجب علينا أن نتوسل بشتى الوسائل التي تدفع إلى القراءة - بعد الانتهاء من الدراسة الإلزامية - خلال مزاولة أعمال الحياة الاعتيادية. . .
وإلا، فيجب علينا ألا نستغرب إذا ما وجدنا (قابلية القراءة) التي بذلنا كل تلك الجهود في سبيلها قد أخذت تندثر وتتلاشى شيئاً فشيئاً. . . و (الأمية) التي قضينا كل تلك الأوقات في سبيل مكافحتها داخل المدرسة وفي سن الطفولة، عادت إلى الحكم بعد مدة، فاستولت على النفوس تدريجياً في ساحة الحياة، وفي سن الرشد والشباب. . .
- ٣ -
إن تجارب الأمم الغربية - المسطورة في تواريخ معارفها - تؤيد الملاحظات النظرية التي سردناها آنفاً؛ فإن رجال معارف تلك الأمم أيضاً كانوا قد اصطدموا بالمشكلة التي بحثنا عنها، في بدء انكبابهم على تعميم التعليم ومكافحة الأمية؛ وهم أيضاً كانوا قد لاحظوا - عندئذ - أن معظم الطلاب الذين يتخرجون من المدارس الابتدائية ويدخلون معترك الحياة، ينسون بصورة تدريجية الكثير مما كانوا تعلموه في المدرسة خلال سني التعليم الإلزامي. وكثيراً ما يصل بهم الأمر إلى درجة (نسيان الأبجدية) والعودة إلى الأمية
إن هذه النتيجة مَثَلت للعيان، على وجه أخص، عندما أخذوا يفحصون معلومات الراشدين الذين يبلغون السن العسكرية فيدخلون الثكنات. . . فقد وجدوا بين هؤلاء الجنود عدداً غير