حاجة للبيان بأن عدداً غير قليل من الطلاب عندما ينتهون من الدراسة الإلزامية، لا يكونون قد تعلموا القراءة بكل معنى الكلمة، بل يكونون قد تعلموا قراءة بعض الكتب قراءة ميكانيكية، لم تخرج من دور التهجي والتردد إلا بإعانة الذاكرة السمعية. . . فهل من مجال للاستغراب إذا ما فقد هؤلاء خلال بضع سنوات ما كانوا قد اكتسبوه من المقدرة السطحية في القراءة الميكانيكية فعادوا إلى الأمية بصورة تدريجية؟
فإذا أردنا أن ننجو من هذه المزلقة الأليمة، يجب علينا أن نهتم بإصلاح طرق تعليم القراءة، ونسعى إلى حمل الطلاب على قراءة كتب متنوعة، فنتجنب كل ما من شأنه أن يجعل القراءة ميكانيكية وظاهرية
- ٢ -
مع هذا يجب عليّ أن أصرح بأن كل ذلك أيضاً لا يضمن معالجة المشكلة التي نبحث عنها معالجة قطعية.
لأن (مقدرة القراءة) في حد ذاتها ليست من الأمور التي ترسخ في النفس بمجرد اكتسابها، بل هي من القابليات التي لا تعيش وتنمو إلا بالعمل والتكرار والمران. . إنها من القابليات التي تضعف وتتلاشى شيئاً فشيئاً عندما تبقى (عاطلة) ولا تجد مجالاً للعمل بصورة متصلة. . .
افرضوا أن طالباً مجتهداً ونبيهاً، قد تعلم القراءة بصورة جيدة، فأصبح قادراً على قراءة الكتب بصورة مرضية. . ثم تصوروا أن هذا الطالب ترك القراءة بعد خروجه من المدرسة؛ فقد مضى عليه عدة سنوات دون أن يقرأ شيئاً، ودون أن يجد في بيئته دافعاً يدفعه إلى استعمال قابلية القراءة التي كان اكتسبها قبلاً. لا شك في أن القابلية المبحوث عنها سوف لا تحافظ على قوتها مدة طويلة من الزمن، بل ستكون عرضة للضعف بصورة تدريجية. . . وسيزداد هذا الضعف على ممر السنين فيعود صاحبها إلى دور القراءة (بالتهجي) كالمبتدئين؛ وإذا استمر الحال على هذا المنوال مدة أخرى، فسيفقد قابلية القراءة التي كان اكتسبها في المدرسة، وسيعود إلى الأمية مرة أخرى.
وهذا هو ما يحدث في الحياة الاعتيادية. في كثير من الأحيان ينتهي الطفل من التعليم الإلزامي فيترك المدرسة ويذهب إلى الحقل أو المعمل، للاشتغال مع والديه. . . ولا يجد