للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما أتحدث اليوم عن خصومة قائمة، ولكني أتحدث عن ماض بعيد. والرافعي الذي يحيا بذكراه اليوم بيننا غير الرافعي الذي كان؛ فما ينبغي أن تجدد ذكراه ماضي البغضاء. . وهذا عذيري فيما أذكر من الحديث. . .)

. . . ذلك قول قلته منذ بضعة أشهر وقدمتُ به للحديث عما كان بين الرافعي والعقاد؛ وكأنما ألقيَ إليَّ من وراء الغيب أن كاتباً مثل الأستاذ سيد قطب سيحشر نفسه فيما لا يعنيه وما لا يصلح له، وما لا يُحسن أن يقول فيه، ليحاول أن يجعل التاريخ غير ما كان، مظاهرة لصديق، أو انتصاراً بالباطل. . .

ولقد كنت أكرم (صديقي) أن يكون هو الذي يحاول هذا العبث إسرافاً في حسن الظن بفهمه وأدبه وسمو نفسه، ثم كان ما لم أكن أتوقع. . .

وإني لأشعر الساعة - وقد خرجت من الصمت الذي فرضته على نفسي شهرين رعاية لحق الصديق وإبقاء عليه - بشيء من الألم يخزني في صدري ويجعل القلم يضطرب بين أناملي؛ فما سهلٌ على مثلي أن ينسلخ عن ماضيه وينكر صاحبه ليقول على ملأ من الناس: (يا هذا، لستُ منك ولست مني. . .!) ولكن سيد قطب قد قالها فما بدٌ لقائل أن يقول. . .

لقد كان بين الرافعي والعقاد عداوة وشحناء سارت مسير المثل بين أدباء الجيل، فهل كان من الحتم تبعاً لذلك أن يكون سعيد العريان وسيد قطب عدوين، لأن أولهما يؤرخ للرافعي والثاني يجري في غبار العقاد. . .؟

ولكن سيد قطب يرشح نفسه ليكون في غد شيئاً له في الأدب خطر ومقدار، وما يرى نفسه بالغاً هذه المنزلة إلا أن يجري على نهج صاحبه ويتأثر خطاه؛ فكان أول سعيه إلى غايته أنه احتقب كنانته وخرج إلى الطريق يرمي الناس باليمين والشمال لا يعنيه أين يصيب ولا من يصيب ولو كان أحرص الناس عليه وأرفأهم به. . .! وكان إلى سعيد العريان أول ما راش من سهامه يا صديقي الذي كان. . لقد أخطأت الهدف المؤمَّل. . .!

ما بي في هذا المقال أن أتحدث عن الرافعي ولا عن العقاد، ولكنّ مذهبين سماهما سيد قطب أريد أن أضرب لهما مثلين: أما أحدهما فقول سعيد العريان يعتب على صاحبه: (. . فإن كان هذا هو كل عذر الأستاذ سيد قطب من تمزيق أكفان الموتى بأظفاره فقد بَلغَ وأَبلغ. . .)

<<  <  ج:
ص:  >  >>