يجب أن تطاع وأصول يجب أن تتبع، والغضاضة كانت عنده والهوان في مخالفة تلك الأحكام والأصول بعد أن وضح له وجه الحق منها، لا في مخالفتها نزولا على حكم الهوى والشهوة. وكان الأمر في ذلك كله مداره الدين وعلمُ المرء أن الله سائله عن الحق لَم لمْ يتبعه وقد وقر في نفسه، وعن الباطل كيف اتبعه ولبس به الحق رغم ضميره ورغم قلبه. فكان هذا الوازع الداخلي حاملاً على الحق صارفاً عن الباطل حق الضعف في الناس على الأخص بفشو هذا التجديد الذي يستمد كل قوته من جلال الغالب في نفس المغلوب
ومسألة القديم والجديد عمرها لا يكاد يزيد على ثلاثين عاما أثارها في الناس نفر تثقفوا ثقافة غربية من غير أن يكون لأكثرهم من الثقافة الإسلامية نصيب مذكور. والغرب والشرق على طرفي نقيض لا يلتقيان كما يقول رديارد كبلنج، وإن كان من الممكن أن يلتقيا في العلم الذي هو مفخرة الغرب والذي هو جزء من الإسلام الذي يدن به الشرق. لكن الذي أثاروا مسالة القديم والجديد لم يكونوا يعرفون، ولعل أنصارهم لا يزالون يجهلون أن العلم الذي ظهر به الغرب هو في الإسلام جزء من الدين، وأن المدنية الغربية ليس فيها ما يستحق أن يطلب ويؤخذ إلا ذلك العلم الطبيعي الذي اهتدى إليه الغرب بالعقل والتجربة، والذي يمثل فطرة الله التي فطر عليها الأشياء. أما فطرة الله التي فطر عليها الناس فتلك يمثلها الإسلام عن يقين فكأن الغرب والشرق قد اقتسما علم الفطرة: عَلِمها الغرب في الماديات بالعلم والتجربة وعلمها الشرق في الروحانيات والاجتماعيات بالدين والوحي. فكان الشرق مخطئا حين لا يأخذ بعلم الغرب، وكان الغرب ضالا حين يخالف الإسلام كما أنزله فاطر الفطرة على محمد عليه الصلاة والسلام. وكان سبيل الكمال لهما معا وللإنسانية أن يجتمعا على العلم والدين، علم الغرب الطبيعي ودين الشرق الإسلامي، فيجتمع لهما بذلك علم الفطرة ونظامها في المادة والروح. وكان هذا أيضاً هو سبيل التجديد الصحيح لمن يريد أن يكون مجدداً مصلحاً، يجدد للشرق شبابه ومجده من غير أن يعرضه لشر ما يهدد الغرب من أخطار. وهذا هو السبيل الذي دعا إليه جمال الدين الأفغاني وسار على آثره فيه محمد عبدة. لكن دعاة التجديد الذين جاءوا بعدهما ممن لم يكن لهم مثل علمهما ولا بصرهما بالإسلام ضلوا سبيل الدعوة وصدّقوا الغرب في ظنه الذي ظن بالإسلام من أنه كان سبب تأخير الشرق. ولما لم يطيقوا أن يهاجموا الإسلام مواجهة