فيدعوا الناس صراحة إلى نبذه، عمدوا إلى مهاجمته مداورة بدعوة الناس إلى قبول كل ما عليه الغرب إن كانوا يريدون أن يكون لهم ما للغربيين من قوة وحياة. وزعموا للناس أن المدينة الغربية كل لا يتجزأ، فأما أن تؤخذ كلها أو تترك كلها، إما أن تؤخذ باجتماعياتها وأدبياتها وعلمياتها وإما لا يؤخذ منها شيء. فوقع الناس بهم في مصيبة طامة وفتنة عامة لأن الناس يلمسون قوة الغرب ويريدون أن يكون لهم مثل قوة لينجوا مما هم فيه من رقه واستعباده. فإن كان حقاً ما يزعمه لهم دعاة التجديد الغربي من أن لا سبيل إلى ذلك إلا بأخذ المدينة الغربي بحذافيرها فليس لهم فيما يبدو مفر من ذلك ولو كان في ذلك خروج على الإسلام. ونجحت حركة الالتفات التي قام بها دعاة الغرب ضد سلطان الإسلام في نفوس من أصغى إليهم من الناس حين ألجئوهم إلى أن يميزوا أنفسهم ذلك التمييز بين الإسلام وبين القوة والحياة، من غير أن يتعرض أولئك الدعاة في سبيل ذلك الخطر الذي كانوا تعرضون له من غير شك لو أنهم دعوا الناس مباشرة إلى نبذ الإسلام. وأصبح الذين أصابتهم فتنة ذلك التجديد كمن أحاط به العدو لا بد له من الموت أو التسليم، أو كمن وجد نفسه مضطراً إلى الاختيار بين قتل ولده وبين الحياة. ولقد كان سهلاً على من وقف هذا الموقف من الناس أن يفك عن نفسه ذلك الحصار ويخرج من ذلك الاضطرار الوهمي لو أنه كان يعرف حقيقة دينه وتاريخه حتى صدر الخلافة الراشدة على الأقل، لكن أولياء أمور المسلمين عفا الله عنهم وتداركهم بهدايته وتسديده كانوا ولا يزالون يهملون تعريف المسلمين بدينهم، وتنشئ أبنائهم وبناتهم في الروح الإسلامي بالتربية الإسلامية. ومن هناك كان المسلمون عوناً لعدوهم على أنفسهم. ومن هناك كان كل ما أصاب أولئك (المجددون) من نجاح، وما يهدد الإسلام في بلاده وفي نفوس أهله من خطر. ومن هنا أيضاً هب لدرء هذا الخطر فريق من المجاهدين المحتسبين الذين آتاهم الله فقهاً في الدين وقوة في الجنان وبسطة في البيان، وفي طليعة هؤلاء كان الرافعي رحمة الله عليه فالمسألة بين القديم والجديد كما يسمونها ليست مسألة اختيار بين أدب وأدب وطريقة وطريقة، ولكنها في صميمها مسألة اختيار بين دين ودين. فالذين يسمون أنفسهم أنصار التجديد يؤمنون بالغرب كله ويريدون أن يحملوا الناس على دينهم هذا ولو خالف الإسلام في أكثره. والذين يسميهم هؤلاء أنصار القديم يؤمنون بالإسلام كله وبالقرآن كله ويأبون أن يؤمنوا ببعض ويكفروا