ببعض، أو أن يدينوا للغرب مؤمنين به من دون الله. وكل الخلاف بين أنصار (القديم) وأنصار (الجديد) منشؤه هذا ومرده إلى هذا. هؤلاء مثلاً يريدون متابعة الغرب في السفور والاختلاط لينعموا بالحب! كيفما شاءوا، وأولئك يرون السفور والاختلاط مفسدة أي مفسدة لأن الله وهو أعلم بخلقه نهى عنهما في الكتاب. هؤلاء يريدون متابعة الغرب في ألا يتزوج متزوج إلا واحدة، وأولئك يرون إباحة تعدد الزوجات لأن الله سبحانه أباحه في الكتاب. هؤلاء يريدون التسوية بين الذكر والأنثى في كل شيء ظناً منهم أن الغرب يسوي بينهما، وأولئك يرون غير ذلك فيما لم يسوّ الله بينهما فيه في الكتاب. هؤلاء يرون الإسلام ديناً عربياً أنزل للعرب ولا يلائم إلا العرب، وأولئك يعتقدونه دين الإنسانية الكامل أنزل للناس كافة بما يضمن صلاح الناس كافة غير متقيد بزمان ولا متخصص بمكان كما نص الله عليه في القرآن وكما يتجدد عليه في كل عصر البرهان
ثم أنصار (الجديد) يضيقون ذرعاً بالقيود الأخلاقية التي قيد الدين بها الناس فيما يعملون وفيما يقولون، ويريدون أن يتحللوا منها فيزعموا للناس أن هذه الأخلاق وقيودها إن هي إلا عرف وتقاليد، وإن التقيد بالعرف والتقاليد في الفن والأدب يعوق الفن ويحول دون ترقي الأدب، فيجب إذن إطلاق الفن وتحرير الأدب من تلك القيود. ومن هنا نشأ خلاف آخر بين الفريقين نقل العراك بينهما من ميدان الاجتماع إلى ميدان الأدب. فأنصار الجديد يدعون إلى الفن العاري والأدب المكشوف ويّدعون للفنان والأديب حرية في القول والفعل لم يأذن الله فيها لإنسان، وأنصار قديم الإسلام يدفعونهم عن هذا ويحدون حرية الفنان والأديب بما حد الله به حرية كل إنسان من قيود الدين والأخلاق وإلا عمت البلية بالأدب وصار شراً ووبالاً على الناس. وأتسع الخلاف وتشعب بين الفريقين. بمضي أنصار الجديد الغربي في توهين السد الإسلامي الذي يجدونه قائماً في وجوههم أينما تلفتوا فيزعمون للناس من طرف خفي أن القرآن من صنع عبقري لا من صنيع الله، وأنه آية فنية لكنه آية فنية إنسانية لا معجزة إلهية، وإذن فينبغي أن يخضع لما يخضع له كل عمل إنساني من النقد والفحص والبحث العلمي فيما يزعمون، ويهب لدرء هذا الإفك العظيم كل كريم نجد من رجال الأدب أو غير رجال الأدب من المسلمين، ويقاتلونهم على إعجاز القرآن وحرمته وتقديسه، ويدعونهم إلى خطة إنصاف ليس من إنصاف بعده: إما أن يتركوا