اللون من البحث، والجدلُ البعيد عن الأثرة يفتق القرائح، وربما جاء بخير كثير وأفاد منه النشء والبيئة الأدبية، ولربما كشف عن مواهب كانت مستورة، وعلم كان خبيئاً، وفضل لم يكن يعرفه القراء
وقد قرأت ما كتبه الأستاذ قطب في نقده فوجدت ألمعية واستعداداً ذاتياً وقوة وبراعة واتساع أفق، ولكني لم أجد في تضاعيف هذا كله الحجة التي تقنع أو تمسح ما في نفسي مما قرأت لها من أدب الرافعي وأقرأها إياه الكاتبون في أدب الرافعي
والرافعي - أحسن الله للأستاذ الزيات - كان كنزاً مخبوءاً في نثره كشفته الرسالة لقراء العربية عامة بعد أن كان معروفاً عند الخاصة في كتبه وفي نتف من بيانه الذي كان يتناقله الأدباء من هنا وهنالك
وقد يجوز للأستاذ قطب أن ينكر ناحية من نواحي أدب الرافعي وأن يدلل على ذلك بقوة، ولكن لا يجوز في منطق سائغ أن ينكره أدبياً على الإطلاق
كما يجوز لي - على صغري وضيق أفقي - أن أنكر شاعرية العقاد إنكاراً أود لو يتسع لي المجال من فسحة هذا العمل الآلي لأبرهن عليه بما يسعني من حجة أو تدليل، على أن إنكاري هذا ليس بضائر فضل الأستاذ العقاد وهو في رأي الكاتب الناثر الجبار في عمق مادته وسعة اطلاعه وغزارة ثقافته
أما أن أثب وثباً منقطع النظير فأنكر العقاد أدبياً وأتجاهل رأي الكثرة الكاثرة من قرائه وأصحاب الرأي الحسن فيه فذلك مما لا يقفني موقف المسموع الرأي عند أهل البصر في الأدب
وقرأت للأخ قطب مقاله الأخير ومحاولته أن يجعل من قصيدة الأستاذ العقاد في الجيبون دائرة معارف ثقافية ففيها من كل علم ومن كل فكر، فهل لو صح هذا كان شعراً. والشعر من الوجدان وإلى الوجدان وماله وهذه اللفتات إلى ما هو عميق متكلف؟
وهل لو صح هذا الوزن لشعر الشراء واصطنعنا هذه المقاييس التي يتفضل بها الأستاذ قطب نكون قرّبنا الشعر من الطبيعة الصادقة والفطرة السليمة ولذوق الذي لا تشوبه شائبة النظريات العلمية القلقة. . .