للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تباينا في الأخلاق وتباعدا في المجتمع فتأصل العداء.

قد يستغرب الرجل الإنكليزي في هذه الأيام أن يجد عندما يزور البدو تشابها عظيما بين عاداتهم وبين عادات الفرسان الأوروبيين في العصر الإقطاعي، ولهذا ترون أنني استعملت كلمة (الفروسية) عنواناً لمحاضرتي.

وقد يكون غريباً أن تعلموا أنه لا توجد كلمة في اللغة العربية للدلالة على الفروسية كنظام خاص مع العلم بأننا نرى البدو يعيشون بروح فرسان القرون الوسطى، والسبب في ذلك أنهم لا ينظرون إلى نظام معيشتهم كنظام يمكن درسه بل كحياة طبيعية ولما كانوا لا يعرفون القراءة لم يتمكنوا من درس أنظمة غيرهم من الأمم، ولهذا لم يجدوا ضرورة لإيجاد اسم خاص لطريقتهم. في الحياة. ولو وصفت الصفات المميزة للفروسية لمزارع أو حضري من سكان هذه البلاد لأجابك على الفور أنك تتكلم عن حياة البدو. وعليه فإني أرجو من حضراتكم أن تبعدوا المعنى الخيالي الذي يتصل بكلمتي الفروسية والفرسان لأني أعني باستعمال هذه الكلمة عادات البدو أي نظام الحياة اليومي ونظام الحكم الديمقراطي بينهم.

حياة البدو والمزارع

يمكننا عند دراسة أخلاق وطباع البدوي والمزارع أن نبدأ بدراسة وجهة نظر كل منهم نحو الحرب. تنحصر كل ثروة المزارع في مسكنه وحقوله وأشجاره فإذا ما سلم أملاكه إلى عدو يصبح على الفور جائعاً متشرداً، وهذه النتيجة المنتظرة تجبره على الاستماتة في الدفاع إذا ما هوجم، وفي نفس الوقت نرى أن الزراعة عمل مستمر يستوعب كل أوقات الفصول الأربعة بحيث لا يبقى له وقت يقضيه بالسفر والتنقل بحثاً عن المغامرة، ولذلك تجده يدافع دفاع المستميت دون الاهتمام بقواعد الحرب أو بتطلب المجد الشخصي، وحالة المزارع هذه تقوده إلى أن ينظر إلى الحرب نظرة الكراهية، فإذا ما هوجم ترى أن همه الأول أن ينتصر بأسرع ما يمكن بطرق شريفة أو غير شريفة، وبما أن غرضه الأسمى هو الدفاع لا المجد، وبما أنه يقطن في القرى نراه يفرض على كل شخص في المجتمع أن يشترك في الدفاع لكي يضمن السلامة والفوز. وهكذا يمكننا حصر نظرة المزارع إلى الحرب فيما يلي:

<<  <  ج:
ص:  >  >>