للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

١ - الدفاع المستميت

٢ - كره المغامرات الحربية

٣ - التصميم على الفوز بطرق مشروعة أو غير مشروعة

٤ - فكرة خدمة المجتمع

أما نظرة البدوي للحرب فهي على العكس تماماً وذلك لأن ثروة البدوي هي الخيل والجمال والغنم وليست من الأملاك الثابتة كالبيوت والحقول والبساتين، لذلك نراه غير مضطر لمقاتلة عدو إلى الرمق الأخير بل على العكس قد يتمكن من إنقاذ كل أمواله بتقهقر منظم سريع. وعلاوة على ذلك فإن المواشي شيء مزعج في الحرب إذ أنها قد تتشتت أو تذبح ولو كان صاحبها منتصراً في الحرب. كل هذه الاعتبارات تشير إلى حقيقة واحدة وهي أن طريقة البدوي في الدفاع ضد عدو قوي هي التقهقر السريع وليست الاستماتة في الدفاع كما يفعل القروي

وهنا لا يسعني إلا أن أتحول قليلاً من البحث عن الحرب إلى السياسة. إن الفلاح يدافع عن بلدته ويقاتل قتال المستميت دونها ولكنه إذا غلب على أمره خضع واستسلم إلى العدو تمسكاً بقطعة أرض يتركها له غالبوه، وإذا ما سمح له بالبقاء يدفع الضرائب الفادحة صاغراً ويتحمل أنواع الذل والإهانة. أما البدوي فإذا وجد نفسه محاطاً بعدو قوي استكان دون مقاومة وتظاهر بتقديم الخضوع إلى كبير الفريق الغالب حتى إذا ما رأي من عدوه غفلة رحل بسرعة إلى مكان قصي أمين حيث يصبح حراً طليقاً. وهكذا نرى أن البدوي رغم ضعفه في الدفاع ذو نفسية استقلالية تصبو إلى الحرية وهو أوسع حيلة وأعز نفساً واعظم كبرياء من القروي

وفي الهجوم أيضاً تجد البون شاسعاً بين البدوي والمزارع فإن هذا الأخير مرتبط بأرضه وبأعماله المستمرة، أما البدوي فقليل المشاغل كثير الفراغ وهو بسائق فطرته وطريقة معيشته معتاد ركوب الخيل والجمال وتحمل الأسفار البعيدة الشاقة ولذلك كانت المغامرات الحربية موضوع فخر وتسلية له وكانت الشهرة والمجد مطمعه في الحياة، لأن نظرة البدوي إلى الحرب لا تتجه لخدمة المجتمع نراه يتطلب في حروبه المجد والفخر والقيام بالأعمال العظيمة التي تنيله الشهرة، فالمجد والشهرة هما غايته من الحرب لا سلامة

<<  <  ج:
ص:  >  >>