الإصلاح وإن كان فيها كثير من الدعوة إلى الإصلاح مبثوث في تضاعيف القصة وفي أثناء الفصول بلا ترتيب ولا نظام، وتجد أكثره فيما جعل من الحوار على ألسنة أبطال القصة؛ بل لقد كان حرصه على أن يثبت رأيه ودعوته إلى الإصلاح داعياً له إلى أن يقحم كثيراً من القول في أساليب المحاورة لغير وقته، فكانت بعض المحاورات تطول أحياناً طولاً يدعو إلى الملالة ويبعد بموضوع المحاورة عن أصله وداعيه. والمحاورة كما يعرف كل من عالج القصة أو درس فنها - ليست موضوعاً ملائماً للدعوة إلى الإصلاح وبيان أوجه الرأي فيه، ولكنها وسيلة من البيان في أوجز عبارة تصل بين رأي ورأي أو حادثة وحادثة مما يفيض به موضوع القصة؛ ولن يكون الحوار أبداً وسيلة إلى بث فكرة أو دعوة إلى إصلاح إلا بقدر غير ملحوظ ولا مُدرَكْ في جملته. إنما يكون ذلك في الحادثة لا في الحديث، وفيما يُحكى لا فيما ينطق به. . .
على أننا وقد وافقنا المؤلف على أنه لم يكن له غاية من قصته في الدعوة إلى نوع من الإصلاح، نقول إن (ذلك النوع التصويري الذي يصور المناظر الشخصيات والميول والخواطر) هو في نفسه غاية من الغايات الرفيعة يقصد إليها كثير من أهل الفن؛ وقد بلغ المؤلف في ذلك وأجاد وانتهى إلى غاية. ولقد كنت أقرأ بعض ما كتب المؤلف من الفصول التصويرية في هذه القصة فأشعر بكثير من اللذة والإعجاب؛ وأجمل ما قرأت من هذه الفصول وصفه في الفصل الأول عيد (شم النسيم) كما يحتفل به كثير من طوائف المصريين في الريف والحضر؛ وفي الفصل الرابع وصف حياة الشاب العزب تترامى الآمال حوله في الزواج والمصاهرة، وتعترك حوله أماني الأهل والأصدقاء؛ وفصول أخرى لا تقل عن هذين الفصلين جمالاً وروعة
أما عناية المؤلف بالفن ومقدار توفيقه فيه، فما أريد أن أسهب في الحديث عنه؛ فإن من الظلم أن تكلف فتى في الثالثة والعشرين أن يكون له من السيطرة على نفسه وعلى وجدانه ما يساعده على حبك قصة طويلة كهذه القصة على ما يقتضي فن الرواية على وجهه؛ إذ كان كل هم الشباب في مثل هذه السن أن يحشد كل خواطره وأماني نفسه ومصورات خياله فيما يكتب؛ فأنه ليصعب عليه أن يغفل معنى أو فكرة أو حادثة تلُحّ على نفسه؛ ومن هنا جاءت قصته - كما قرأتها - وكأنها في نفسي قصتان لا رابطة بينهما إلا فيما تبدأ