القصة وفيما تنتهي؛ أما في العرض وفي تسلسل الرواية فإن القارئ يكاد يحسّ في أكثر من موضع أنه انتقل من قصة إلى قصة فلا يشعر أنه فيما كان فيه إلا حين يوشك أن يبلغ نهاية الفصل. وذلك شيء حقيق بالنظر والتدبر عن من يريد أن يكون قاصّاً موفقاً؛ فإن أول شرط القصة هي أن تتسلسل بحوادثها تحت عيني القارئ حتى تبلغ بذلك أن تنقله من جو إلى جو فيسير في قراءتها وكأنه يعيش بين أبطالها وعلى مقربة من زمانها ومكانها؛ وما أنكر أن المؤلف قد بلغ إلى ذلك في بعض الفصول ولكنه لم يبلغ إليه في جملة القصة؛ على أن هذا التنافر في موضوع الرواية لا يستمر إلى نهايتها؛ فما هو إلا أن ينتهي القارئ إلى حد ما ثم تسير القصة إلى خاتمتها طبيعية لا تكلف فيها ولا اصطناع، حتى تنتهي إلى نهايتها في حيلة موفقة
على أن هذه القصة - وهي مصرية المغزى والموضوع في جملتها - تبتعد كثيراً في بعض فصولها وحوادثها عن المألوف من عاداتنا وما نعرف، فهي لا تصوّر صورة مصرية عامة يراها كل أحد؛ ولكنها صورة خاصة قامت في نفس كاتبها في يوم ما فرآها على التعميم حقيقة بالتسجيل في قصة يريد أن يجعل بها صورة لبعض ما في مصر؛ ولقد كنت أريد أن ألخص موضوعها في هذا الفصل لأعرضها عرضاً جلياً لمن يريد أن يعرف، ولكني أوثر أن يكون تعريفي بها من بعيد حتى لا أقطع الطريق على من يريد أن يقرأها بقلم مؤلفها ليعرفها العرفان الحق
أما أسلوب المؤلف في الأداء فهو الأسلوب السهل الطبيعي، لا تكلف فيه ولا صناعة؛ وفيه إلى ذلك روح وعاطفة وقلب نابض؛ تقرؤه فتعرف نفس كاتبه بما تجيش به من أماني والآم تراها مصوَّرة أدق تصوير وأبرعه، فكأن وراء كل عبارة قلباً ينبض، وكأن وراء الظلال من كل فصل نفسية سامية تؤمن بالمثل الأعلى إيمان الرأي والعقيدة، وتقف جهدها على تحقيق المعنى الإنساني العام في كل نفس وفي كل إنسان؛ فهو أسلوب قصة، وهو صرخات نفس حانقة، وهو غيظ حبيس يتفجر نثراً وكتابة، وهو أماني وأحلام، وهموم وأحزان؛ وهو غبطة ورضا، وسخط وألم. وإن فيه لمعاني جديدة وفكراً جديداً. . .
ولكن ذلك كله لا يحمل الناقد المنصف على تجاهل ما في أسلوب المؤلف من غلطات في اللغة والنحو وفي استعمال الكلمات كان حرياً أن يتنزه عنها؛ ولو أنها غلطات تعد لما كان