خرج ابن الزبير من عند أمه فإذا الفجر لاح والمؤذن يدعو إلى الصلاة فليذهب إلى المسجد إذن، عسى أن يبعث الله إلى القلب طمأنينة يجتاز بها قلاقل اليوم
صلى ابن الزبير صلاة حارة أرسل بها إلى ربه ما وسعه من الشكوى، وما استطاع من الرجاء، وأحس بان روحا من العالم الأعلى حلت في نفسه من جديد، فلم يعد شيخا ضعيفا بل أصبح شابا مندفعا في ميدان الاستشهاد.
ظل ابن الزبير بعد الصلاة في المسجد طويلا ترن كلمات أمه في أذنه حينا، ويصلي إلى ربه حينا آخر فيقول:
يا رب إن جنود الشام قد كثروا ... وهتكوا من حجاب البيت أستارا
يا رب إني ضعيف الركن مضطهد ... فابعث إلي جنودا منك أنصارا
لم يطل الزمن بابن الزبير حتى هاجمه جند الشام من كل فوج. لاذ بأستار الكعبة ملاذه وملاذ غيره من قبل، ولكن الحجاج لا يردعه عن غايته رادع مهما عظم، فرمى الكعبة بالمجانيق وحميت المعركة الفاصلة لا بين المؤمنين والمشركين وإنما بين المؤمنين يمثل كل فريق منهم رأياً جديداً وسياسة جديدة. كانت معركة بين سياسة الشام الفتية، وسياسة الحجاز الهرمة، بين الخلافة كما كانت، وبين الخلافة كما تكون، بين النظم السياسية القديمة، وبين النظم السياسية الحديثة، هي معركة القديم والحديث يكررها التاريخ فلا يمل من تكرارها. معركة القديم والحديث، هل يفوز بها إلا الحديث.