للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كبيراً ويتمنى لو أتيحت له الفرصة ليتم الحديث عن (فلسفة) حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) على هذا النهج، ليكون كتاباً بتمامه عن السيرة النبوية على نسق غير النسق الذي جرى عليه (القصَّاص) ممن كتبوا عن حياة محمد. . . ومضى شهر، وأهدى إليه الشاعر محمود أبو الوفا (ديوان الأعشاب) وكان مرجوَّاً أن يكتب عنه؛ إذ كان المقصود من طبع هذا الديوان - وطابعه غير صاحبه - أن يكون إعانة مادية لناظمه توسِّع عليه ما ضاق من دنياه. . .!

وقرأ الرافعي ديوان الأعشاب ثم. . . ثم هزَّته أريحيته إلى أن يكتب عنه، تحقيقا لرجاء الراجين فيه، وبرَّاً بصاحبه. وأبت كبرياؤه أن يكتبه مقالاً يُعَنْونه بعنوانه ويذيله باسمه؛ فدعاني إليه واصطنع حديثا بيني وبينه فأملاه عليَّ لينشر في الرسالة مذيَّلا باسمي؛ وما كان بيني وبينه حديث في شيء، ولكنها مقالة تواضعت من كبرياء فسماها حديثاً. . . وأرضى كبرياءه وعاطفته الرحيمة في وقت معا.

كان الرافعي في حرج وهو يملي عليَّ هذا الحديث؛ إذ كان يخشى أن يناقض نفسه في الرأي وهو يكتب عن هذا الشعر رعاية لصديق، ولكنه خرج من هذا الحرج بحسن احتياله، فجعل أكثر مقالة عن الشعر بمعناه العام ورأيه فيه ومذهبه منه؛ ثم خص الديوان بكلمات في خاتمة الحديث كانت هي خلاصة الرأي فيه؛ وبذلك بريء من الإسراف في المدح ومن الإيلام من النقد، وخرج من الأمرين معاً إلى تحديد معنى الشعر ووسائله وغايته. فأجاد وأفاد في باب من القول له منزلة ومقدار.

ومن كلماته في هذا الحديث:

(متى ذهبت لتحتج لزيغ الشعر من قِبَل الفلسفة، وتدفع عن ضعفه بحجة العلم، وتعتل لتصحيح فساده بالفن؛ فذلك عينه هو دليلنا نحن على أن هذا الشعر. . . لم يستوفي تركيبه، ولم يأت على طبعه، ولم يخرج في صورته؛ وما يكون الدليل على الشعر من رأى ناظمه وافتتانه به ودفاعه عنه؛ ولكن من إحساس قارئه واهتزازه له وتأثره به. . .)

ونشر هذا الحديث في الرسالة، ومضى شهر آخر. . . ثم جاء البريد ذات صباح إلى الرافعي بكتاب من الزيات، يعرض عليه أن يكون معه في تحرير الرسالة بمقالة ينشرها كل أسبوع أو كل أسبوعين، وقدر له أجرا. . . وقَبِل الرافعي، وما كان له بدٌّ من أن يقبل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>