للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مشتركة في هذه السهرة، فما أحسَّا رفض الرافعي حتى قال ع: (. . . ولكنها راقصة ليست كالراقصات: إنها صوَّامةٌ قوَّامة، تصوم الشهر وستة أيام بعده، وتقوم الليل إلا أقلَّه، وتصلي الخمس في مواعيد الخمس؛ وما أحسب رقصها وغنْاءها إلا تسبيحاً وعبادة. . . إنها. . .!)

مغنية وراقصة، ولكنها صوامة قوامة. . . يا عجباً وهل في الراقصات كهذه التي يصفها الصديق العابث ع؟. . . ولكن الرافعي صدَّق، وعرف الصديق طريق الإقناع إلى قلب الرافعي. واتفقنا على الرأي. . .

(هذه هي الراقصة التي أعنى. . .) هكذا قال الصديق (ع) فاشرأب الرافعي ينظر من وراء الصفوف. لقد رآها، ولكنها لم تكن أمام عينيه كما هي في أعين هؤلاء الناس. . . كانت تحت عينيه إنسانة أخرى لها طهر وقداسة واحترام. . .

هذا الصدر الناهد، وهذه الساق اللفاء، وذلك القوام الأهيف، وهاتان العينان الحالمتان، وهذا الخد الناضر، وهذه الشفة الباسمة، وذلك الشعر اللامع. . . هذه كلها سحر وفتنة، تعترك حولها شهوات الرجال، وتترامى إليها أماني الشباب؛ ولكن رجلاً واحداً بين النظارة لم يكن يبصر شيئاً من ذلك: رجلاً لم يكن أحد فيمن أعرف أضعفَ منه بازاء سحر المرأة، ولكنه الليلة شخص غير من أعرف؛ ولكن هذه الراقصة بازائه غيرها بازاء الناس. . . هي في عين الجميع (أنثى) فاتنة، ولكنها بعينيه هو قديسةٌ تستحق التبجيل والاحترام. . .

كانت على عين الجميع راقصة تغني، وكانت بعينيه عابدة تسِّبح وتصلي. . . كان الناس ينظرون إلى الراقصة وهي تفتنُّ في إغراء الرجال بالنغمة والحركة والرَّنْوَة الفاتنة، وكان الرافعي ينظر في أعماق نفسه إلى صورة أخرى رسمها من خياله فقامت حياله تريه مالا يراه الناس!

وانفض السامرون إلا قليلا تحَّلقوا حول الموائد يقرعون كأساً بكأس، ونهض الرافعي فيمن نهض. . .

ومضى يومان، ثم دعاني ليملي عليَّ مقالة (في اللهب ولا تحترق!)

ولما فرغ الرافعي من شأن هذه المقالة، دعا إليه بصديقه (ع) يستزيده من خبر هذه الياقوتة الكريمة، ويسأله الوسيلة لقائها إن كان بينهما سبب، لعل اجتماعاً بينها وبين الرافعي يفتق ذهنه عن موضوع جديد يكتبه لقراء الرسالة؛ فابتسم الصديق (ع) وقد دبر في نفسه حيلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>