للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا الخلُق هو المحور الذي كان يدور حوله الحديث الذي اصطنعه الرافعي على لسان القِطَّين؛ وهو الذي حمله من بعد على إنشاء مقالتي (سمو الفقر) في العدديين التاليين من الرسالة؛ والشيء يُذكر بالشيء؛ فلولا ما جاء في امتحان الشهادة الابتدائية لذلك العام ما أنشأ الرافعي حديث قطين، ولولا ما ألهمه حديث القطين من المعاني في فلسفة الرضا ما أنشأ مقالتي سموَّ الفقر؛ ففي هذه المقالات الثلاث موضوع واحد اختلف عنوانه واتحدت غايته وكانت مناسبتُه ما قدَّمْت. . .

ثم أنشأ مقالة (أحلام في الشارع) وقصتها أنني كنت أساهر الرافعي أحياناً في قهوة (المنوس) بطنطا أو في السينما؛ فإذا ما انتهت السهرة صحبته إلى قريب من داره ثم أروح وحدي، وكنا نمر في طريقنا كل ليلة بدار (بنك مصر)، ففي ليلة ما كنا عائدين من السينما وقد انتصف الليل؛ فلما صرنا قبالة (البنك) وقف الرافعي هنيهة ليشهد منظراً استرعى انتباهه: طفل وطفلة من أبناء الشوارع نائمان على عتبة البنك، وقد توسَّدت الفتاة ذراعاً وألقت ذراعاً على أخيها. . . ووقف الرافعي ووقفْت. . . ورأى الشرطيُّ ما رأينا فأسرع إلى الطفلين. . .

وفي الغد أملى عليَّ الرافعي مقالة (أحلام في الشارع!). . . وكانت المقالة التالية (في اللهب ولا تحترق!)

وهي الممثلة الراقصة المغنية ف. . . وكانت تعمل في فرقة من الفرق التمثيلية المتنقلة بين الحواضر، حلت مع فرقتها في طنطا في صيف سنة ١٩٣٤، ولسبب ما لم يذهب الرافعي إلى مصيفه في سيدي بشر هذا العام، واستغنى عن البحر والمصيف بما قد يكون في طنطا من أسباب الملذات والرياضة؛ وإن فيها لَغَناء وعوضاً. . .

وكنا ثلاثة من أصدقاء الرافعي نسمر معه كل مساء (س، ا، ع) وجلسنا حوله ذات ليلة، وكان متعبا مكدوداً يشعر بحاجته إلى لون من ألوان الرياضة يرد إليه نشاطه وانبساطه؛ قال: (أين تقترحون أن نقضي الليلة؟)

قال ا: (إن في متنزه البلدية فرقة تمثيلية، هبطت المدينة منذ أيام، وإن فيها لمغنية راقصة، أحسبها خليقةً أن توحي إليك بفصل جديد من أوراق الورد!)

فمط الرافعي شفتيه ولم يعجبه الاقتراح. وأحسب أن الصديقين اوع كانا على رغبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>