ثم كتب صديق الرافعي الحميم فصوله الممتعة في تاريخ الرافعي وضمنها تاريخ حب الرافعي في الأعداد ٢٢٦ إلى ٢٣٢ من الرسالة بدأها أول نوفمبر وانتهى منها حوالي منتصف ديسمبر سنة ١٩٣٧ فاغتبط ناقدنا كما يقول لأنه وجد للرافعي حبا له مظاهر وخطوات وأخذ يعلل اغتباطه ذلك بقوله:(إن خيالي المنبعث من قراءة الرافعي لم يكن يطوع لي أن ألمح إمكان وجود هذه العاطفة في حياته، فالحب يتطلب قلباً وكنت أزعم أن ليس للرجل قلب، والحب يقتضي (إنسانية) وكنت أفتقدها فيه). حسن. ها هو ذا قد عرف أن خياله المنبعث من قراءته الرافعي كان مخطئاً، فهل تراه غير رأيه في الرافعي وأثبت له ما كان ينفيه عنه من قبل من أخص خصائص الإنسان بله الأديب؟. لا. واسمع له يتم لك بقية حديثه فانه حديث عجب:
(لقد ظللت هكذا) - أي قاسياً على الرافعي ينفي الإنسانية والقلب عنه - (حتى استطعت أن أكون ناقداً لا يكتفي بالتذوق والاستحسان والاستهجان ولكن يعلل ما يحس ويحلله فماذا كانت النتيجة؟ لقد عدلت حكمي قليلاً، وخفت حدته ولم أعد أستشعر البغض والكراهية للرجل وأدبه ولكن بقي الأساس سليما
كنت أنكر عليه (الإنسانية) فأصبحت أنكر عليه (الطبع)؛ وكنت لا أجد عنده (الأدب الفني) فأصبحت لا أجد عنده (الأدب النفسي)
كلام مرصوص قد ينخدع به مثل كاتبه، إن جاز على أصحاب (الأدب النفسي) فلا يجوز على أصحاب (الأدب الذهني) تأمل هذا الكلام قليلا، تأمل أوله ثم تأمل آخره. لقد ظل ينكر على الرافعي الإنسانية والقلب حتى أصبح ناقداً يعلل ويحلل. وقد رأيت من كلامه قبل ذلك أنه كان على هذا الإنكار حتى حدثه العريان بحديث حب الرافعي في أواخر سنة ٣٧. إذن فاستطاعته أن يكون ناقداً لا يمكن أن تكون سبقت هذا التاريخ، وإن حدثنا في مقاله الخامس عن محاضرة له في وحي الأربعين ألقاها سنة ٣٤. فتلك المحاضرة إذن كتبها قبل أن يستطيع نقداً أو تعليلاً أو تحليلاً إن كان يعني كلامه السابق، ويكون كلامه السابق هدما لما في تلك المحاضرة من نقد وتحليل يحيل عليه في مقاله الخامس. أما إذا كان لا يعني كلامه السابق وكانت محاضرته تلك تحتوي على نقد نفيس فان هناك تفسيراً واحداً لهذا التناقض هو أن صاحبنا الكاتب الأديب لا يحسن التعبير عما يريد باللغة التي هو أخصائي