للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فسره هو وحده بأنه عدم إمداد الناقد بالتفصيل. فذلك الصدى إذن صحيح في جملته وإن لم يكن واضحاً في تفاصيله. والتفكير الصحيح كان يقضي ويتطلب أن يتفق الصديان أو الصوتان في الجملة إن كانا مما يبني عليهما حكم، فإن اختلفا لم يمكن بناء حكم على أيهما حتى يتبين وجه الحق فيهما ببينات جديدة. وكان المنتظر ممن جشم نفسه دراسة المباحث النفسية الجديدة ومباحث علم الأحياء ومباحث الضوء في الطبيعة إلى آخر ما حدث عن نفسه في مقالة السادس أنه قد درسه كي يرقى إلى محاولة استيعاب العقاد - كان المنتظر من مثل هذا أن يكون قد انتفع أيضاً بتلك الدراسات العلمية إلى حد الرقي إلى تذوق الروح العلمية وتفهم الطريقة العلمية في النظر، فهذا أنفع له وأجدى عليه من كل ما عرف من مفردات الوقائع والحقائق والنظريات. فلو كان رقي إلى الروح أو الطريقة العلمية في النظر والاستدلال، ووجد في البحث الذي كان بصدده أن رسائل الأحزان تخالف في دلالتها حديث القمر، وما تبعه من مطالعات للرافعي وأن قلَّت، إذن لوقف موقف العالم الذي يجد نفسه حيال فرضين كل منهما يفسر شطراً من الوقائع التي لديه من غير أن يفسر الشطر الآخر، فينبذ الفرضين جميعاً ويسعى للوصول إلى فرض جديد يفسر الوقائع جميعاً. فإن كانت الوقائع قليلة، كما هي في حالة صاحبنا حين أراد أن يحكم على الرافعي من كتابين اثنين - سعى العالم إلى تكثير الحقائق قبل أن يطمئن إلى فرض يفسرها، كما كان يجب على صاحبنا أن يقرأ كل ما كتب الرافعي قبل أن يطمئن إلى حكم يحكمه، لا أن يقرأ كتابين على فترة طويلة من الزمن حتى إذا اختلف صداهما عنده حكم لأحدهما على الثاني من غير قرينة ولا مرجح. وإذا كان الرأي الذي حكم له أقرب إلى ميله واتجاه عاطفته - كما هو الواقع - لم يبق شك في أن صاحبنا الناقد المجدد مسير بعاطفته لا بعقله: يتبع العقل ما اتفق وعاطفته، فإذا اختلفا ترك عقله واتبع هواه

ومن عجيب أمر كاتبنا الناقد أنه أصدر في أمر الرافعي أحكاماً ثلاثة في كلمتيه الأولى والثالثة من غيره أن يكون لأحد هذه الأحكام أساس معقول. قرأ حديث القمر وما إليه فازداد كراهية لذلك اللون من الأدب من غير أن يجد لذلك تعليلا، غير أنه كان يزعم لإخوانه أن الرافعي خواء من (النفس) وأن ذلك سبب كراهيته له. هذا حكمه الأول أبداه على تردد وكأنه يعتذر منه فكان بذلك أقرب إلى المعقول

<<  <  ج:
ص:  >  >>