للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يشكوا بعد هذه المقدمة، إذ لو كان العقاد يشرك الرافعي في أدب الذهن لاتفق الاثنان في شيء، والتقى الأدبان على شيء! أما وهما لا يتفقان ولا يلتقيان في شيء في حكم هذا الحكم المجدد، فما أثبته للرافعي من أدب الذهن الوضاء والذكاء اللماع لا بد أن يكون نفاه عن العقاد إن كان يعرف ما المنطق وما التفكير. ليس عن ذلك محيص

لكن لا عليهم هم أيضاً من حكم صاحبهم فانه لا يعني ما يقول ولا ينظر في أعقاب الكلام ونتائج المقدمات. هو حسن النية يلقي الكلام دفاعاً عن صاحبه كما ألقت الدبة ذلك الحجر المعروف

على أنه كان لحكمه هذا قيمة فقد عاد فنقضه في مقاله الثالث. نقضه بالنسبة للرافعي من غير أن يصلحه بالنسبة للعقاد. ولو خطر بباله أن حكمه ينتج غير ما يريد بالنسبة لمن يحب لأصلحه، ولكن ذلك يخطر بباله فاكتفى بأن نفى عن الرافعي الدائرة التي كان أثبتها له، دائرة أدب الذهن، وترك العقاد في الدائرة التي كان أثبتها له، دائرة أدب القلب، من غير أن يثبت له الدائرة الأخرى التي كان قد نفى عنه. وليس لرجوعه عن حكمه للرافعي داع إلا أنه فيما زعم ذهب يتلمس في (رسائل الأحزان) الأمثلة التي تفصل مجمل ما دل عليه الصدى الغامض لمطالعاته الرافعية السابقة، فاصطدم بالرافعي (واختلف الصدى الغامض القديم عن الصوت الواضح الجديد) كما يقول. فهو حين ذهب إلى (رسائل الأحزان) لم يذهب ليستوثق من صحة دلالة الصدى القديم التي بنى عليها حكمه الأول، لأنه لم يكن يخالطه في صحتها شك، إذ (ما من شك أن الرافعي كان ذكيَّا قوي الذهن) كما يؤكد في كلمته الأولى حين كان يلتمس أن ينفي أن يكون أدب الرافعي أدب طبع عن طريق تبيين أنه (كثيراً ما يختلط أدب الذهن وأدب الطبع إذا كان مع ذكاء وقوة). لم يذهب إلى رسائل الأحزان إذن ليستوثق من صحة تلك الدلالة أو ذلك الحكم ولكن ليؤيدهما ويفصلهما بأمثلة. فلما اختلف الصوتان وتعارضت الدلالتان مال عن الدلالة القديمة الغامضة إلى الدلالة الجديدة الواضحة؛ وهو يظن أن هذا كاف للرجوع عن حكم حكمه ورأى أرتاه، ولا يرى في ذلك شيئاً من سطحية الحكم والنظر التي كثيراً ما يرمي بها خصومه من غيره مبرر. لكن النظر السطحي وحده هو الذي يبرر الرجوع عن ذلك الحكم بمثل هذه السهولة لمثل هذا السبب. إن الغموض الذي وصف به صدى مطالعاته القديمة قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>