الأولى على صدى مطالعته القديمة للرافعي، وكتب كلمته الثانية وليس بين يديه إلا وحي الأربعين. ثم ذهب إلى رسائل الأحزان يتلمس الأمثلة توضيحا لرأيه فاصطدم بالرافعي كما يقول من جديد؛ وعلى وقع هذا الاصطدام كتب عن الرافعي ثم كتب حتى أبلغ كلماته إلى ثمان. فعمدته في تقدير الرافعي على الأخص شيئان: صدى مطالعاته القديمة، ورسائل الأحزان. وصدى مطالعاته القديمة هو كما يقول (صدى غامض يدل على الجملة ولا يمد الناقد بالتفصيل). ومطالعاته القديمة لا تعدو (حديث القمر) وما كان يكره نفسه على قراءته بعد (حديث القمر). و (حديث القمر) كما أخبر في كلمته الأولى كان أول ما قرأ للرافعي وقد أحس بعده ببغض الرافعي بغضا جعله لا يقرأ للرافعي إلا كارها، فتزداد كراهيته بما يقرأه من غير أن يعرف لذلك تعليلا كما يقول. فصدى هذه المطالعات كان من غير شك صدى بغضاء وكراهية، ومع ذلك فقد ظفر الرافعي من صاحبنا في مقاله الأول بنصيب يكاد يعدل نصيب العقاد حين أراد صاحبنا أن يقسم المزايا الأدبية بين الاثنين. فالعقاد أديب الطبع، والرافعي أديب الذهن. (العقاد أديب الطبع القوي والفطرة السليمة، والرافعي أديب الذهن الوضاء والذكاء اللماع. والعقاد متفتح النفس ريان القلب، والرافعي مغلق من هذه الناحية متفتح العقل وحده للفتات والومضات) هكذا حكم سيد قطب بين الأديبين الكبيرين، وحكم لنفسه ضمنا بشيء كثير حين نصب نفسه حكما بينهما. وإذا تذكر أنصار الرافعي أن هذا الحكم فيما يتعلق بصاحبهم هو صدى غامض لمطالعات قديمة محفوفة بالكراهية والبغضاء كان لهم حقا أن يغتبطوا به. ولا عليهم من (مغلق)(ومتفتح العقل وحده للفتات والومضات) فان الحكم لا يعطي العقاد شيئا من التفتح العقلي ولو للفتات والومضات. فهو سوى بين الاثنين تسوية تكاد تكون تامة، أو بالأحرى جعل المزايا الأدبية قسمة بينهما على سواء تقريبا: أخرج العقاد من دائرة الذهن والعقل، كما أخرج الرافعي من دائرة النفس والقلب، وخص أحدهما بما نفى عن الآخر. فإذا شك أنصار العقاد في أن هذا مفهوم حكم صاحبهم على صاحبه ومنطوقه فليقرءوا مقدمة الحكم إذا شاءوا:
(وبعد فما كان يمكن أن يتفق العقاد والرافعي في شيء! فلكل منهما نهج لا يلتقي مع الآخر في شيء)
فهل لا يزال أنصار العقاد بعد هذا على شك من مفهوم حكم صاحبهم؟ إنهم ليس لهم أن