فأجابها: إن أمنيتك مستجابة قبل أن تطلبيها. عندئذ قالت اشهدوا يا شيوخ قحطان على قول والدي. فأجابوها: نحن شهود على قوله. فقالت: حينئذ أريد أن تُبقي على بن حميد. فأجابها والدها لا تكوني سخيفة! هذا عدو قبيلتنا؛ وعلى كل حال بيننا وبينه مائتا ميل على الأقل. فأجابته: كلا إنه في هذه الخيمة. فقام والدها يريد الرجل لينتقم منه فاستوقفته منادية شيوخ قحطان الذين تدخلوا في الأمر وذكروه بوعده، فخضع للأمر الواقع، وهنا خرج ابن حميد ليتزوج حبيبته بينما نحر شيوخ قحطان إبلهم لا لأسر ابن حميد بل احتفاء بزواجه من فتاتهم.
هذه الحكاية ترينا بجلاء أن غاية البدوي الفخر والمجد لا النصر، والحرب وسيلة المجد وليست وسيلة الكسب. وأمثال هذه الحكاية كثيرة لا تحصى.
لا يكون حديثنا عن الفروسية تاما دون التحدث عن صلاح الدين. في الحقيقة أن صلاح الدين كردي، وقد قاتل لأجل الدين لا لأجل المجد والشرف، ولكن روح الفروسية ظهرت بجلاء في كثير من أعماله. حينما حاصر صلاح الدين قلعة الكرك لأول مرة كان أميرها همفري أوف تورن يعقد قرانه على اليزابث أخت ملك القدس. ولما علم صلاح الدين بالأمر منع جنوده عن رمي السهام على القلعة، كما أن صاحبها أرسل إلى القائد المسلم الخبز والخمر واللحم من وليمة العرس. ولما خرج ريكاردوس قلب الأسد للدفاع عن يافا بالبركان كان راكبا دابة استعارها من أحد السكان، ولكن صلاح الدين الشهم أرسل إليه فورا جوادين مع خادم ليركبهما البطل العربي في المعركة
ومثل آخر من أمثلة الفروسية ما فعله القائد الفرنسي الباسل في فونتانتوني إذ دعا الحامية الإنكليزية إلى إطلاق النار أولا.
إننا في وقتنا الحاضر قد نزدري مثل هذه الأعمال ولكن يجب علينا ألا ننسى أن عقيدة البدوي في الفروسية هي القيام بالأعمال التي تنيل المجد والفخر لا كسب المعركة.
الكرم
يحمل الكثيرون من الأوربيين - كنتيجة لزيارتهم للشرق - فكرة سيئة عن العرب لكثرة المتسولين، ولكني أصرح بأن الذين يتسولون هم الطبقة الدنيا من العرب؛ أما الطبقات الأخرى حتى التي يكثر فيها الفقراء فهم لا يتدانون لمثل هذا العمل، وإذا ما أخذ البدوي