للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأشد الجناة على الدين، وأشد المشوهين له والمشككين فيه أولئك الذين يضعونه مقابلا للعلم تارة، وللفن تارة، ثم يحكمون أيهما أصح وأولى بالاتباع!

وللدين مهمة قام بها وأداها خير أداء في إصلاح نفس الفرد للمجتمع، وفي تهيئة هذا المجتمع لحياة الفرد، بالنصح تارة وبالتخويف تارة، وبالتشريع تارة، وبكل الوسائل التي تكفل هذه الغاية الكبيرة، على مدى الأجيال

ولم يأت الدين ليخوض في المسائل العلمية البحتة، ولم يأت ليكون منهاجاً فنياً. فكل زج به إلى الميادين التي لم يأت لها، ظلم له، وتعريض به، وعمل كعمل الدبة التي تحدث عنها صاحبنا الحديث المحفوظ

يقوم الدين على الإقناع الوجداني، وعلى البحث العقلي، بينما يقوم العلم - معظم العلم - على المشاهدات والملموسات، والتجارب المحسوسة، فليس من الحكمة وضع هذا مقابلا لذاك جهلا باتجاه الدين وغايته، لأن كثيرا من النفوس يضطر لتصديق المحسوس المشاهد، متى أرغم على الاختيار بين الطريقتين!

وليس من الحكمة كذلك وضع الدين مقابلا للفنون، فهذه خاصة بالترجمة عن النفس الإنسانية وأحاسيسها وآمالها، وليس هذا من اتجاهات الدين، إلا في الدائرة التي تهمه لإصلاح نفس الفرد للمجتمع، والمجتمع للفرد، على طريقته الخاصة. ومن الناس من يستعز بالخوالج والخواطر والآمال التي تجلوها الفنون، لأنها تلمس كل عنصر حي فيه، وليس من الحكمة أن نسوم هذا الفريق الاختيار بين طريق الفن وطريق الدين، في حين لا يعني الدين ذلك، ولا يرصد نفسه له، وإنما هي الدبة التي تلقي الأحجار على وجوه الأصدقاء!

الدين. الدين. . . قولوها مائة مرة، فلسنا والحمد لله ممن تخيفهم هذه الصيحات الفارغة، ونحن أكثر منكم دراسة وفهماً للدين

ثم ما هذا الرجل (الغمراوي) الذي يفهم أن (السن) هي الحكم في المبادئ والآراء، فمادام (سيد قطب) لم يولد إلا بعد أن كان للرافعي أدب، فلا يحق له أن يكون له رأي في هذا الأدب، ولا يجوز أن يسقطه إن كان يستحق السقوط

ما هذا الفيض الغزير في (القواعد العلمية للنقد)؟ وما يكون الشأن مع أدباء الجيل الماضي

<<  <  ج:
ص:  >  >>