للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هبٌ فيها بعد انتصار شارل مارتل من دعوا إلى إصلاح المسيحية فما كان صوت هؤلاء المصلحين إلاٌ صدى للصوت الذي دوى في صحراء العرب منذ ثلاثة عشر قرناً. . .

إن الإيمان الشرقي الذي يدعوه المناظر نسكاً أسيوياً لم يحل إذاً دون سير الغرب على سبيل الاكتشاف والاختراع، وما منع باستور إيمانه وتدينه من اكتشاف الجراثيم وإيجاد أمصالها لإنقاذ الإنسانية من أفظع أدوائها. وما كان أديسون وماركوني ومن تقدمهما من المخترعين إلا من المؤمنين بالله وباليوم الأخير

إن الدكتور أدهم يريد أن يميز بين عقلية الشرقي وعقلية الغربي فيقول إن الأولى مستسلمة (محضاً) للقضاء والقدر تخضع للغيب، والثانية تناضل نضالاً (محضاً) ضد الغيب.

أما أن يكون الشرقي هذا المستسلم الضعيف فمما يكذبه التاريخ، تاريخ المسيحية وتاريخ الإسلام على السواء، فما كان المسيحيون الأولون ليجبنوا حتى بين أشداق الأسود، وما كان المسلمون إلا مجاهدين بالجهادين، توكلوا فما تواكلوا وسلموا أمرهم لله فما استسلموا لزعازع الحياة بل أرغموها إرغاما ليسيطروا عليها بمكارم الأخلاق.

أما قول المناظر بأن العقلية الغربية تناضل ضد الغيب فقول فيه جنوح في التعبير، ولا نعتقد أن الدكتور أدهم يقصد الغيب بل أسرار المادة وما يكمن فيها من تفاعل، لأن الغرب إنما هو من هذه الإنسانية التي حُدت قواها فوقفت واجمة أمام نظام الكون وسرّ الحياة والموت، وما نعلم أن العمل على درس خفايا المادة كان وقفاً على الغرب دون سواه، وقد رأينا العرب يذهبون إلى أبعد الأشواط في هذا السبيل.

هذا وأن الحضارات قد توالت على هذه الغبراء فكان لكل أمة دورها في الاعتلاء والانحطاط، فما تراث الذهنية العلمية إلا مشاع لكل رأس فيه دماغ يفكر لاستخدام عناصر الطبيعة لمنفعته.

ليس هنالك إذاً عقلان عقلٌ للغرب وعقلٌ للشرق في ميادين الاستقراء؛ غير أن هنالك فطرة أو ثقافة تختلف بين شعب وشعب. وقد أراد المناظر أن ينكر استقلال الثقافة الأدبية عن العلم الوضعي فأسماها روحاً كأنه يمحو أثرها باستبدال اسمها.

لتكن الثقافة روحاً كما يريد الدكتور أدهم، فلماذا يطلب حضرته أن يلفظ أبناء الشرق روحهم لتتقمص روح الغرب حضارتهم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>