للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم أليس من غرائب المنطق أن يقول المناظر بفرعونية مصر وبتمردها على العروبة نيفاً وثلاثة عشر قرناً ثم يطلب منها أن تتفرنج بين عشية وضحاها؟

إذا كان ما يرمي إليه الدكتور أدهم من تفرنج مصر دفعها إلى طريق الرقى العمراني فقد أثبتنا له أن مصر كسائر البلاد العربية تأخذ بالحكمة السامية: (اطلبوا العلم ولو في الصين) فلا تأنف من الأخذ بعلوم أوروبا الوضعية كما أخذ أجدادنا بعلوم الإغريق من قبل دون أن (يستغرقوا) فعلام يراد منا أن (نستغرب) نحن؟. . .

ما هي الفائدة التي يرجوها المناظر لمصر إذا هي أنكرت إيمانها وأفسدت لغتها وتغنت على الأنغام الإفرنجية التي تتنافر مع ذوقها وحتى مع مخارج ألفاظها، ورَّقصت أبنائها وبناتها متفاخذين متباطنين متناهدين؟. . .

أية فائدة نرجوها لمجتمعنا إذا نحن أعرضنا عن الأخذ بحضارة ثوت مبادئها العليا في سرائرنا لنصبح كالقردة مقلدين نتحرك تبعاً لحوافز غيرنا؟

وأخيراً لا يظنن مفكرٌ أننا نقصد بالحضارة العربية هذه الحالة الراهنة التي أوصلتنا إليها قرون من الويلات والعبودية لأرهقتنا حتى تنكرت لنا أنفسنا

لقد طغت على مجتمعنا في معتقداته وفي نظم أسرته وفي آدابه وفي حكوماته دخيلات من متخلفات جميع العصور وجميع الأمم، فنحن اليوم أشبه بنبيل أخنى عليه الدهر فأجاعه، فهو يأكل من فضلات موائد الأمم، ومزّق ثوبه فهو يستر عورته بترقيعه ملتقطاً له الخرق أمام كل بيت غريب، ومن كل مزبلة تعترض طريقه.

أما والله ما يُهيب بنا إلى الدعوة لإقامة حضارة عربية شرقية بهذه الأوطان إلا الاشمئزاز يستذرف الدمع لما يصدم سريرتنا كل يوم من هذه المساخر تتمشى وهي لا تبالي على قبور الأجداد وعلى مهود الأطفال

وقد يكون هذا النفور نفسه ما يدفع بالمفكرين الأجانب حتى وبعدد من مفكري العرب أنفسهم إلى الإهابة بالشرق للنهوض من كبوته ليستبدل بروحه الراقدة روحاً غربية ناهضة

إنها لعاطفة قد يكون الألم والإشفاق مصدريها، ولكن العربي الأصيل بما يسمع في أجواء نفسه من هتاف القبور لا يقطع الرجاء من حقه في الحياة

لقد ذهبت الطوائف الدينية كل من جهتها مذاهب جد غريبة عن روح الدين الذي أنار الدنيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>