للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من مشارقها حتى أصبح من الأسهل عليها أن تعتنق الإلحاد من أن تقضي على تعصبها وتطرح التآويل التي تقضي على اتحادها على الأقل في إقامة حضارة تكفل حياتها

لقد تبلبلت النظم الاجتماعية بيننا إلى درجة يسهل على شعوبنا فيها أن تُغرق فطرتها الأصلية المريضة في تيارات مدنية الغرب من أن تستفيد منها قوتها وتعمل على شفائها

إن الاندفاع إلى الأغوار أسهل على المتعب من العودة إلى تسلق الذرى التي انزلق عنها

ولكن أترضى النفوس العربية النابهة التي لا تجهل ما يكمن في هذه البلاد من قوى أن تتخير الجمود فلا تقوم بواجبها لتحول دون انتحار شعب بزغت أنوار الهداية من آفاقه وبقيت حضارته مدى أربعين قرناً محوراً لتيارات التفكير في العالم؟

لتكتب الأقلام العربية في هذا المطلب، لتملأ الصحف السيارة بالآراء، وليتناقش المفكرون

إن كل أمة قد مرَّت على مفرق الطرق قبلنا لم يتأخر مفكروها عن وضع الكتب الضخمة فالتهمها الشعب الحائر التهاماً، أما هنا فمن العبث أن نعقد الفصول الطوال في كتب عناوينها نفسها تنفر جمهور القراء منها

لقد نشرت في العام المنصرم كتاباً بعنوان (رسالة المنبر إلى الشرق العربي) فاستنفد نصف نسخه في بلاد المهاجر حيث يعرف النازحون قيمة الوطن، وحيث يشعرون بغربتهم في حضارات ليسوا منها وليست منهم. أما هنا في الأقطار العربية فلم يقرأ كتابي إلا أربعمائة قارئ أهديتهم إياه وثلثهم أو أكثر لم يتفضل بإرسال بطاقة أعرف منها وصول الكتاب إليه

إن معظم القراء يهتمون للمشاكل الراهنة الجوالة من الأمور السياسية والإدارية التي تؤثر في حياتهم في يومهم، فنحن نعيش لعصرنا كأننا لا نترك على أرض الشرق أبناءنا وأحفادنا

لقد تناولت في رسالة المنبر بحث ما نحن عليه الآن وما يجب أن نأخذ به من حضارة تتوافق وسرائرنا وأحوالنا، فإن أنا أردت استيفاء موضوعي الآن حقه اضطررت أن أنشر كتابي برمته على صفحات الرسالة. فلأكتفين الآن بإيراد فقرة من مقدمته أجعلها ختاماً لهذا الرد

(إنني مازلت معتقداً منذ قدر لي أن أعتلي المنابر أن هذه البلاد العربية مستودع لأشرف الثقافات ومكمن لأسمى المواهب، وإن من واجبي أجناد المنابر والأقلام فيها إظهار هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>