٤ - توجد للقرآن عدة قراءات، وغالباً ما يُعلل وجودها إلى عاملين أحدهما أن الوحي لم يدون في حينه ومنذ بدايته بطريقة منتظمة، بل بقي إلى أمد بعيد يتناقل أغلبه بالرواية. والعامل الثاني أن الخط العربي الذي كتبت به الآيات القرآنية بادئ ذي بدء لم يكن وافياً، إذ كان ينقصه الحروف المتحركة وغيرها من علامات الشكل، كذلك كان ينقصه التفرقة الصحيحة بين الحروف الساكنة. ولهذا كان اختيار واحدة من القرارات المحتملة لتلك المخطوطات ليس بالأمر الهين. وقد قام المسلمون في العصر الحديث بأداء أهم جزء من ذاك العمل
وكان من جراء تلك الصعوبات أن اختلفت التفاسير العربية للقرآن الكريم منذ العصور الأولى للإسلام فقد تباينت تبايناً كلياً في تفاسير مواضع كثيرة من القرآن. وليس بالأمر النادر أن يورد بعض المفسرين ستة معانٍ أو أكثر لموضع من المواضع العويصة في القرآن ليتخير منها ما يشاء. ومع ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن نستغني عن هذه التفاسير، وفي الغالب لم يَعْنِ المترجمون الغربيون العناية الكافية بهذه التفاسير حين قيامهم بترجمة القرآن. ومن المحقق أن البعض أهملها لأن فهمها كان عليهم عسيراً. أما الذين عنوا فلم يكن لدى الأولين منهم خاصة سوى التفاسير المتأخرة فقط، تلك التفاسير التي جاوز فيها الشرح المذهبي التأملي لكتاب الله التفاسير التقليدية القديمة التي لازالت تعتبر إلى حد ما تاريخية لغوية (وأهم هذه التفاسير تفسير الطبري)
ومن هذا البيان يتضح أن الإنسان لن يكون في وسعه أن يدرك كل دقائق القرآن. ولذلك فالمترجم الأمين يضطر دائماً إلى التشكك في صحة عمله، كما يضطر إلى تدوين مختلف المعاني المحتملة.