إلى الملك فيحط هذا العبء عن كاهله! ووجد الفرصة سانحة لذلك في عيد الجلوس الملكي سنة ١٩٣٤، فانشأ كلمة بليغة في تحيته بعنوان (آية الأدب في آية الملك) وأرسل بها إلى الرسالة لتنشر في العدد ٦٦ سنة ١٩٣٤، فلم تنشر به وإنما نشرتها الأهرام في صبيحة عيد الجلوس، وقرأها من قرأها. ثم كانت آخرة العهد الابراشي بعد ذلك بشهر واحد، فكتب من كتب من خصوم الرافعي يعددّ فيما يعدد من (جناية الابراشي باشا على الأدب) أنه كان يصطنع الأدباء ليحارب بهم سلطة الأمة، ويسخرهم للإشادة بحكم الفرد؛ وكان الرافعي عنده من صنائعه، وآيته هذا المقال وآيات أخرى من تلفيق الخيال!
وأرسل الرافعي إلى الرسالة بدل هذا المقال مقال (أرملة حكومة) وكانَ يعني به صديقنا الأديب المهندس محمداً، وهو شاب من (أدباء القراء) أبيقوري المذهب صريح الرأي؛ سلخ من عمره ثلاثين سنة ولم يتزوج، وبينه وبين الأستاذ إسماعيل خ صاحب (أستنوق الجمل) صلة من الود، وشركة في الرأي، وصحبة في البيت والندي والشارع. . .
لقينا مجتمعين في القهوة اجتماعنا كل مساء، فعاج يسلم ثم جلس، وسأله الرافعي:(. . . وأنت فلماذا لم تتزوج؟)
قال المهندس:(لست والله من رأي صاحبي فيما حدثكم به أمس، إني لأريد الزواج وأسعى إليه؛ ولكن من أين لي. . . من أين لي المهر، وهدايا العروس، وأكلاف الفرح؟ إن الزواج عندي ليشبه أن يكون معجزة مالية لا قبل لي بها!. . . ولو قد عرفت أن هذه المعجزة تتهيأ لي بالبخل على نفسي والقصد في نفقاتي وباحتمال العسر والمشقة على نفسي وعلى من حولي - لما وجدت ما يشجعني على هذا الاحتمال. إني لأعرف من بنات اليوم ما لا يعرف غيري، أفتريدني على أن أحتمل هذا العنت سنتين أو ثلاثاً حتى يجتمع لي من المال ما يجتمع، من أجل الوصول إلى زوجة قد يكون لي منها شقاء النفس وعدو العمر. . .؟)
وقال الرافعي. . . وقال الشاب. . . وطوى الرافعي ورقاته وقد اجتمع له موضوع جديد. وتهيأت له الفكرة تامة ناضجة فأملى علي مقالة (أرملة حكومة) وبعث بها إلى الرسالة في البريد المستعجل لتدرك موضعها في عدد الأسبوع
وقلت للرافعي وقد فرغ من إملاء هذا المقال: (أراك لم تنصف صاحبنا المهندس فيما كتبت