وقد انطبعت في المرأة السورية هذه العقيدة المغلوطة، وتمكنت من عقلها إلى حد حملها على اليقين بصحة النقص القائم بينها وبين الرجل، وأنها حقاً دونه عقلاً وفكراً وإدراكاً، وتناست أن مستواها العقلي والفكري كان قد يساوي المستوى العقلي والفكري عند الرجل، لو أن أنانية هذا لم توح إليه بإهمال شأنها وإهمال رفع مستواها إلى أوج الكمال النسبي
فأخذت نظرته إليها - أي الرجل - تنحط مع الزمن وتنحصر ضمن نطاق محدود، وأخذ اعتباره إياها يتضاءل يوماً بعد يوم، حتى أصبح ذات يوم وفي نفسه نحوها احتقار يبيح لسانه الحط من قيمتها واعتبارها وسيلة من وسائل اللهو والتسخير
فليس عجباً أن نفيق بعد هجعتنا الطويلة فنبصر حال المرأة في أوساطنا متقهقرة، وقد أدركنا سر هذا التقهقر. وليس بمستغرب أن نرى الرجل في هذه الأوساط ناقص التربية ناقص التهذيب وقد وقفنا على سبب ذلك النقص. إنما المستغرب في كل هذه الأمور أن ندرك سرها وأسبابها ثم نقف عند حدود الإدراك دون أن نتجاوزه إلى حيز العمل، حيث تظهر حقيقة المرأة ويسطع جوهرها
وفي المرأة أيتها السيدات صفات فطرية مفقودة عند الرجل فهي حساسة بغريزتها رقيقة بطبيعتها، والحس والرقة صفات إذا توصلت المرأة إلى صقلها وتهذيبها استحالت من مخلوق بشري إلى ملاك سماوي يحمل بين جوانحه معاني الرأفة والحب والسلام
والمرأة شاعرة بطبعها وفطرتها، فإن هي عرفت كيف تنمي هذه الشاعرية فيها، وعرفت كيف تغذيها، تحولت كوكباً ينبعث من صميم الحياة نوراً ينشر على هذه الحياة أشعة من الود والصفاء
فأثر المرأة لا يظهر جلياً واضحاً في النهضات القومية ولا يخلف بعده أفضالاً وحسنات ترفع الأمة من الحضيض إلى العلاء، إلا في حين يستيقظ فيها الحس العميق بوجوب تهذيب الصفات الطبيعية التي فطرت عليها، وتحويلها من غريزة إلى شعور سام رفيع، يجعل من رسالتها إلى الأمة، رسالة الحياة وكل ما تحوي هذه الحياة من معاني المجد والحضارة والازدهار.
فلنستعن سيداتي بما ترك لنا أولئك الذين أدركوا النفس البشرية على حقيقتها، واستطاعوا بقوة بصيرتهم اختراق لفائفها والنفاذ إلى أعمق موضع فيها، لنستعين بأنوار نفوسهم على