للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المنظم، وهو يتطلب توضيحاً للرأي، وبرهنة عليه، ونقضاً للمخالفين وهكذا. . . وهذه منزلة لم يصل إليها العرب في الجاهلية. أما الخطرة الفلسفية فدون ذلك لأنها لا تتطلب إلا التفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد، وهذه الدرجة وصل إليها العرب)

إذن استقبل العرب الإسلام وهم خلو من كل علم صحيح أو فلسفة حقة. ويجدر بنا قبل أن نتعرض إلى الموارد التي تطرق إليها العرب ونهلوا منها علماً وفلسفة خارج ديارهم - أن نذكر شيئاً عن أثر الديانتين اليهودية والنصرانية. أما اليهود فالمعروف أنه كانت لهم جاليات في يثرب وتيماء وفدك وخيبر ووادي القرى. وللثقافة اليهودية ناحيتان: الأولى مادية، فقد نشروا بين الأعراب معرفة بضاعة المعادن ولاسيما الأسلحة، كما عرفوا الزراعة. والأخرى معنوية، فقد بثوا بين الأعراب كثيراً من تعاليم التوراة قبل الإسلام، فعرف هؤلاء شيئاً عن البعث والحساب والعقاب، وظل تأثير اليهود باقياً على شكل أساطير وخرافات، ومن ذلك ما بثه في الإسلام كبار من أسلموا من اليهود مثل كعب الأحبار الذي نقل إلى الإسلام فكرة (تحريم التصوير) وهو في ذلك ناقل عن تعاليم اليهود ومتأثر بطبيعة الجنس اليهودي، تلك الطبيعة التي تكره التصوير لأنها تعجز عنه وتقصر دونه

ومن أهم المصادر الثقافية التي أخذ عنها العرب أيضاً المسيحيون في شبه الجزيرة قساوستهم ورهبانهم ومنهم الشعراء والبلغاء أمثال أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة

واليهود والمسيحيون متأثرون بالثقافة اليونانية التي ازدهرت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط وغزت بلاد الشرق الأدنى وامتزجت بنفوس سكانه، واتخذت لها مواطن تركزت فيها أشهرها حران وإنطاكية والإسكندرية؛ فكأن شيئاً من الثقافة اليونانية كان قد وصل العرب عن طريق انتشار اليهودية والمسيحية في بلاد شبه الجزيرة قبل الإسلام، ولكن الأثر البالغ لهذه الثقافة الإغريقية وصل إلى العرب عند ما انطلقوا من عقالهم والتقوا خارج بلادهم بممثلي هذه الثقافة في مراكزها أو بعبارة أخرى في البؤرات التي تركزت فيها

وأشهر الأوساط الثقافية التي كان لها على العرب فضل لا يعدله فضل (الإسكندرية) مدينتنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>