العظيمة، ففيها اختلط ما كان للإغريق من علم وفلسفة، وهناك امتزجت الفلسفة بالدين امتزاجاً جعل منها ضرباً من ضروب التصوف الفلسفي. ولا غرابة في ذلك فقد كان معظم المشتغلين بالعلم في العصور الوسطى من رجال الدين وقد لجأ هؤلاء إلى الفلسفة والمنطق يؤيدون بهما تعاليم المسيحية
واشتهر النساطرة واليعاقبة من أتباع الكنيسة الشرقية باحتفاظهما بعلوم الأقدمين وفلسفتهم، وهم في واقع الأمر حلقة الاتصال بين العلمي اليوناني وبين العرب. وكان النساطرة مترجمين لكثير من كتب الفلسفة واللاهوت عن اليونانية إلى اللغة السريانية كما حذقوا الطب والكيمياء وعرفوا بهما في فارس وفي البلاط العباسي. والعلاقة وثيقة - كما يقول الأستاذ الدكتور بطلر في كتابه (فتح العرب لمصر) - بين لغة السريان وبين العلم. والظاهر أنه كان لابد لكل من يريد أن يحذق علوم الأقدمين من الإلمام باللغة السريانية أولا، وأن يتتلمذ على أساتذة من النساطرة ثانياً
ويهمنا بنوع خاص كمصريين أن نتعرف مقدار ما أفاد العرب من الإسكندرية. والمؤرخون العرب والسوريون يعتبرون الكاتب والمؤرخ (حنا الأجرومي) أصدق ممثل للحركة العلمية الإسكندرية وآخر رجالها، وإليه وإلى الفيلسوف السفسطائي (اصطفان الإسكندري) وإلى اصطفان الأثيني وهو طبيب مؤلف ومعلق على بعض تصانيف (جالين) الطبيب الإسكندري يرجع الفضل فيما نقل العرب من علوم الإسكندريين
وحنين بن اسحق من أكبر الناقلين لعلوم الإسكندرية يذكر لمناسبة نقله لمقالات جالينوس إلى السريانية والعربية أنه قبل الفتح العربي بقليل تضافرت جهود أطباء الإسكندرية على جمع سبعة من مصنفات جالينوس الطبية، أصبحت أساساً للدراسات الطبية في وقت كاد لواء العلم فيه يسقط أو قل سقط بالفعل في مدينة الإسكندرية، اللهم إلا إذا اعتبرنا تلك الاجتماعات التي كانت تعقد ليتذاكر فيها المجتمعون من محبي العلم عامة والطب خاصة بعضاً مما وضع جالينوس، أو بنقلها إلى لغة أخرى من غير كبير تقيد بتعاليم جالينوس نفسه
وممن يذكر المؤرخون العرب أنهم اشتركوا في العمل الطبي الكبير في أخريات أيام العلم الإسكندري: حنا فليوتس واسطفان الإسكندري وجسيوس وبلاديوس ومارينوس، الذين