ومما شهد العرب في الإسكندرية مدرسة فلسفية مسيحية أعقبت المدرسة (الأفلاطونية الحديثة) التي كان يتزعمها (الشيخ اليوناني) أفلوطين الإسكندري كما يصفه الشهرستاني
ومن أشهر فلاسفة هذه المدرسة الفلسفية المسيحية الفيلسوف المسيحي السرياني (حنا الأفامي) نسبة إلى أفامية إحدى مدن سوريا الشمالية، والطبيب (سرجيوس الرسعني) المعروف باسم تيودوسيوليس الذي نقل عدداً لا بأس به من مقالات جالينوس إلى اللغة السريانية. وقد أنتجت هذه المدرسة نفسها الطبيبين المصنفين (بولس الأجانيطي) و (أهرون) وقد أثر عن هذا الأخير كتابه (الفتاوى الطبية) الذي نقل من السريانية إلى العربية وكان له أثره المحسوس في الطب الإسلامي في أوائل عهد العرب بالاشتغال بالعلوم الطبية
ومن الطريف أن نعرف كما يقول الأستاذ الدكتور ماكس مايرهوف أن الحجة الذي يحدثنا عن مدرسة الإسكندرية في عصر من عصور اضطراب الإسكندرية وركود حركتها العلمية إنما هو (الفارابي) الفيلسوف العربي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي، يقول في كتابه عند ذكر الفلسفة اليونانية وهو كتاب مفقود الآن إلا فقرات منه وعاها كتاب (عيون الأنباء) لابن أبى أصيبعة تفيد أن إمبراطور المسيحيين كان يتدخل في حرية البحث والدراسة ويقصر ما يدرس من علم المنطق في كتب أرسطو على نقط لا تتعدى باب (الأشكال الوجودية) وكان يحرم دراسة ماعدا ذلك لتعارضه مع التعاليم المسيحية. ولا يهمنا ذلك إلا للدلالة على أن الإسكندرية لم تصبح قبيل الفتح الإسلامي وسطاً صالحاً للدراسة الحرة كما كانت من قبل، بل أصبحت الحركة العلمية فيها وقفاً على رجال الدين؛ ولم يكن من خير العلم أن يتناوله رجال الدين؛ فيخضعونه للدين وسلطانه
ويذكر الفارابي أيضاً أن أستاذه المسيحي (يوحنا بن حيلان) رفض أن يعلمه فصولاً بذاتها من علم المنطق لأرسطو كان محظوراً على فلاسفة الإسكندرية في ختام القرن التاسع الميلادي تعليمها إلا حين أبيح ذلك في وقت ما للمسلمين دون سواهم
ولا يعزب عن البال أن الحركة العلمية وإن تكن قد فقدت في الإسكندرية مرتعها الخصب فقد وجدت في النسطورية المنتشرة في الشرق الأدنى وتطرقها إلى جوف الإمبراطورية