الحسن. على أن تلك الشجرات ربما أجنت عصفورا لبِقا بالصفير يخرج رأسه في الفينات من حفافي ورق نضر كما تطل مغنية من شباك فيضرب الفتن مرات بجانبي منقاره كما تمسح القلم مرات يمنة ويسرة، أو كما يصلح المغني عوده، ثم يتكلم العصفور بصوت ساحر
وقد يشرف الجالس فيه على ضروب من الغراس حديثة العهد بماء ضحضاح إذا تمايلت فيه وصفها مترجحة كالراقصات أمام المرآة، ذلك حسن منثور فيه، أينما تلفت رأيته كالمحيا الفاتن تجيل طرفك فيه بين فنون من الروعة، فتنقله من خد إلى جيد، ومن طرف إلى خد
تلك حلية النادي في يومه الساحر الوضاح، أما هو في ليله فذلك الحسن كله والسحر، يقبل عليه الليل بقطعاته الجهمات فتتشابه سماؤه وأرضه: السماء روض زهراته الكواكب، والروض سماء كواكبه الزهرات، وتأخذ لألأة الكواكب بالبصر حتى يحسبها الناظر شقوقاً في ثوب الليل، فيرده عن وهمه أن ثوب الليل تشيب، وأنه بعد في مقتبل. أما القمر في ليالي القمر، فأن له على تلك الساحة طغياناً ساحراً كما تدفق النهر في الحديقة؛ وطالما رف بلبل في جوه فرجع ترجيعات مليحات آنقت الأسماع حتى ما يمارى أحد في أن تغريد الطيور من ألحان الطبيعة، وإن كان لا يحسن أن يقول: من أية نغمة هو، وإن تعرَّف حسنه بما أودعه النفس من حرارة الشغف
إن الناظر ليجيل طرفه فيرى على مدى بصره القطار الأبيض في جيئته وذهوبه يتدفع بين تلك الأنحاء السندسية، فيحسبه قناة ماء مسجور يتدفق بين الرياض، ويخيل إليه أن زمجرته هدير القناة، أو يحسبه وهو يمرق ليلاً في غشاء من ضوئه نيزكاً سابحاً يجرر ذيلاً من النور
أجل؛ إن الحياة المريرة النكداء أبخل من أن تخليَ منظراً طريفاً كمنظر هذا النادي من منظر قاس مرٍّ يشق على النفس والبصر. هذه مقبرة قديمة جثمت على قيد خطوات من النادي البديع إذا تلفت الجالس تعثر بها طرفه وشجته كما يشرق الشارب بالماء العذب، هذه المأساة بذلك الجذل سنة الحياة
ألفت غشيان هذا النادي في الأصايل وليلات القمر أسراب من غانيات الأسر فيهن