تعتبر الزواج باباً من الجهاد لسعادة البشرية كلها. . .
في هذه المقالة؛ لا أعرف سببا خاصا من مثل ما قدمت ' دعاه إلى إنشائها، ولكنها جملة الرأي وخلاصة الفكر وأثر اشتغال الواعية الباطنة قرابة شهرين بموضوع الزواج؛ فهي من الموضوع كالهامش والتعليق، أو الحكم بعد المداولة، أو هي الصفوةُ الصريحة بعد ما يذهب الزَّبد وتنطفئ الرغوة. . .
وقد ترجم هذه القصة إلى الفرنسية الأديب الباحث الأستاذ فليكس فارس؛ وكانت هي أول الصلة بينه وبين المرحوم الرافعي ثم اتصل بينهما الود.
لما أنشأ الرافعي (قصة زواج) تحدث بها الأدباء في مجالسهم وتضاعفت رسائلهم إليه معجبين مستزيدين؛ وتضاعف إعجابه هو أيضاً بنفسه. . فاستزاد واستعاد، والتزم الكتابة على أسلوب القصة، فكان على هذا النهج أكثر رسائله من بعد
وجلست إليه ذات مساء نتحدث حديثنا، فقال وهو يدفع إلي طائفة من رسائل القراء: (اقرأ يا شيخ سعيد. . . أرأيت مثل هذا؟ أيحق لأحد أن يزعم لنفسه القدرة على خير مما أكتب في موضوعه؟ أيملك كاتب أن يردَّ عليّ رأياً من الرأي؟. . . ومضى في طرائق من مثل هذا القول عن نفسه وعن طائفة من خصومه؛ فعرفت أنه في لحظة من تلك اللحظات التي تتنبه فيها النفس البشرية إلى طبيعتها، فتؤمن بنفسها من دون كل شئ مما خلق الله، إيماناً هو بعض الضعف الإنساني في طبيعتنا البشرية وهو بعض أسباب القوة في النابغين من أهل الآداب والفنون! ذلك الإيمان الذي نسميه أحياناً صلفاً وعنجهية وكبرياء؛ ونسميه في النابهين والعظماء ثقة بالنفس وشعوراً بالقوة!
وكان يلذني في أحيان كثيرة أن أشهد الرافعي في مثل هذه الساعة من ساعات الزهو والإعجاب بالنفس، وأجد في ذلك متاعاً لنفسي وغذاء لروحي؛ لأن الرافعي بما كان فيه من طبيعة الرضا والاستسلام للواقع كان رفيقاً متواضعاً؛ فلا تشهده في مثل هذه الحال إلا نادرة بعد نادرة؛ فإذا شهدته كذلك مرة فقد شهدت لوناً طريفاً من ألوانه، يوحي إلى النفس بفيض من المعاني وكأنما هو يعدي سامعه من حالته، فيحس في نفسه قوة فوق قوته، وكأن شخصاً جديداً حلَّ فيه. . .
. . . وسرني أن أجد الرافعي كذلك في تلك الليلة، فأصغيت إليه ومضى في حديثه؛ فلما