انفض المجلس ومضيت إلى داري، وسوس إلي الشيطان أن أعابثه بشيء. . . فكتبت إليه رسالة بإمضاء (آنسة س) أرد عليه رأيه في قصة سعيد بن المسيب وأعيب ما صنع الرجل بابنته، وعمدت في كتابة هذه الرسالة إلى تقليد أسلوب من أسلوب الدكتور طه، يعرفه قراء الرسالة ويعرفه الرافعي. . .
وبلغته الرسالة فقرأها، فنبهته إلى ما كان فيه من أمسه؛ ووقع في نفسه أن مرسلها إليه هو تلميذ أو تلميذة من تلاميذ طه موحَى إليه بما كتب فتحمس للرّد، وأنشأ (ذيل القصة وفلسفة المهر) وجعل أول مقاله رسالة (الآنسة س) وراح يسخر منها ومن صاحب رأيها سخرية لاذعة؛ ثم عاد إلى موضوع فلسفة المهر. . .
وقرأ الزيات المقالة فرأى فيها تعريضاً بصاحبه لم يرض عنه، فكتب إلى الرافعي يطلب إليه أن يوافق على حذف مقدمة المقالة، حرصاً على ما بين الرسالة وصاحبه من صلات الود. . . وكان له ما طلب، فنشرت المقالة في موعدها خالية من هذا الجزء ولكنها لم تخل من إشارات مبهمة إلى أشياء غير واضحة الدلالة وكذلك نشرت من بعد في وحي القلم. . .
ثم كانت قصة (بنت الباشا) وهي السابعة من مقالاته في الزواج، وقد ألهمه موضوعها صديقه (الزبال الفيلسوف) الذي تحدث عنه في هامش هذه المقالة. وهذه المقالة فيما ترمي إليه تعتبر متممة لموضوع (قصة زواج) فهي دعوة اجتماعية لآباء الفتيات إلى الانطلاق من أسر التقاليد في شئون الزواج، وفيها إلى ذلك شئ من الحديث عن (فلسفة الرضا) التي أسلفت القول عنها في (حديث قطين)
أما هذا الزبال الذي نوه به الرافعي في أكثر من مقالة، فهو من عمال قسم النظافة في (بلدية طنطا)، وكان عمله قريباً من دار الرافعي في الشارعين اللذين يكتنفانها، وكان إذا فرغ من عمله في الكنس والتنظيف اتخذ له مستراحاً على حيد الشارع تجاه مكتب الوجيه محمد سعيد الرافعي (المقاول)، فيقضي هناك أكثر أوقات فراغه، نائماً أو محتبياً ينظر الرائحين والغادين من أهل الثراء والنعمة، أو شادياً يصدح بأغانيه؛ فإذا جاع بسط منديله على الأرض فيأكل مما فيه، ثم يشعل دخينة ويعود إلى حبوته يتأمل. .
كان هذا الزبال صديق الرافعي، بينهما من علائق الود وصفاء المحبة ما بين الصديقين؛ وكان الرافعي يسميه (أرسطو الجديد). وأول هذه الصلة التي بينهما أن الرافعي كان يلذه