إليها فحرف معناها بأن أسقط منها ما يؤدي معنى البغض وراح يصيح:(أرأيت؟ - إن الحبيبة (بعد انقطاع الحب) لا تتعلق بنفس من كان يحبها إلا بخيطين اثنين: غيظها له وغيظه لها! ولا شيء وراء ذلك!) ثم طفق يعلق على ذلك ما شاء له الحنق والبغض، وانتهى به الأمر في مقاله الحادي عشر إلى أن يقرر في غرور وتوكيد وإصرار:(فحين يقول الرافعي إن الحبيبة لا تتعلق بقلب حبيبها (بعد انتهاء الحب) إلا بخيطين اثنين هما غيظها له وغيظه لها. . . يدل على أنه لم يحس الحب يوماً ما ولم يحسن ملاحظته في غيره، بل لم يكن ذا طبيعة قابلة للحب، ولا مستعدة لتلقي دفعاته وانفساحه ولو كتب بعد ذلك عن الحب ألف كتاب). وتستطيع أن تتبين مبلغ إسرافه بهذا الكلام على الرافعي إذا وضعت فيه بدلا من (بعد انتهاء الحب) كلمات تؤدي معنى الرافعي مثل (بعد انقلاب الحب إلى بغض). هنالك يتضح مبلغ جناية هذا الرجل على الرافعي وعلى الحقيقة وعلى النقد بذلك التغيير الطفيف الذي أدخله على كلام الرافعي جرياً فيما يظهر على قاعدة (الصدق الجميل) الذي يفرق عند هذا الناقد الجديد بين مدرسة الرافعي ومدرسة العقاد. . .
بقى مثال واحد ثم نغلق هذا الباب. انتقد الرافعي بيت العقاد:
فيك مني ومن الناس ومن ... كل موجود وموعود تؤام
بما انتقده به وأخذ على العقاد، وإن في لفظ شديد، أنه لم يحترس مما يدخل في عموم (كل موجود) مما لا يليق أن يكون في حبيبة محب ذي ذوق. وأراد قطب أن يسخف نقد الرافعي فزعم أن الرافعي قال إن (كل موجود هو البق والقمل والنمل. . . الخ) ولو نسب إليه أنه قال: (إن من كل موجود كذا وكذا. . . الخ) لكان كلاماً ظاهر الصدق ليس فيه موضع للتسخيف الذي يريده صاحبنا والذي لا يتأتى إلا إذا سقطت (من) الدالة على البعضية. فلم ير صاحبنا مانعاً من إسقاطها! وهل هي إلا حرف ذو حرفين يتحقق بإسقاطه شيء من تصحيح الأمزجة والنفوس؟
وقد رد أخونا محمود شاكر هذه الغلطة من سيد قطب إلى أنه لم يفهم الفرق بين (من) في كلام الرافعي و (من) في كلام العقاد. ووددنا لو أن الأمر كان كذلك فان عدم فهم الحرف أخف من تعمد إسقاطه، لكن سيد قطب خريج دار العلوم وأخصائي في اللغة العربية يعلم منها تلاميذه كل يوم مثل هذا الذي يعتذر عنه محمود شاكر بأنه يجهله. فلم يبق إلا