للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كلام الرافعي ليستقيم له وجه الاستهزاء به والزراية عليه. فقد ضرب الرافعي بنهر الكوثر يجري بين شاطئين من ذهب على أرض من الدر والياقوت مثالاً للشعر الخالد المطرد بقوله المحب في حبيبته، فجاء قطب وقال إن الرافعي لا يتشكك في أن نهراً يجري بين شاطئين من ذهب على الدر والياقوت (أجمل) من نهر يجري بين شاطئين من العشب الأخضر على أرض من الرمل والطين. ومهما تكن نتيجة المفاضلة بين النهرين عند المدرسة الجديدة من ناحية الجمال، فان نتيجة المفاضلة بينهما من ناحية الخلود والاطراد ليست موضع شك عند أحد. ولو أخذ قطب الكلام على ظاهره لم يكن فيه مغمز يغمز الرافعي به، فلم يجد بأساً في أن يضع الجمال بدلاً من الخلود والاطراد في كلام الرافعي ليصل إلى ما يريد. ولو غير مدرس للغة العربية فعل هذا لالتمسنا له العذر عن طريق جهله بمعاني الكلمات على وضوحها وبساطتها في هذه الحالة، لكن سيد قطب أخصائي في اللغة العربية وأديب وشاعر فلا يمكن أن يلتمس له العذر من هذه الناحية، ولم يبق إلا أن يكون تعمد التحريف في كلام الرافعي ليصل إلى ما يريد. فإذا أصر على ما فعل، وعدها على الرافعي غلطة بغلطات كخبر (الأسدي الذي يخترق شوارع القاهرة) في مثل زائر القاهرة الذي ضربه ليخلص إلى أن الرافعي (لم يحس الإحساس بجمال (الطبيعة بل. . . لم يوهب الطبيعة التي تحس هذا الجمال) - إذا أصرَّ قطب على زلته إمعاناً في تشويه الرافعي عند القراء كما فعل في مقاله الحادي عشر زاد ذلك في شناعتها وسقط بها في هاوية مالها من قرار.

وإلى مثل هذا عمد قطب حين أراد أن يتكلم عن حب الرافعي ليثبت أنه لا يعرف ما الحب وأن ليس له قلب يقول الرافعي:

(نصيحتي لكل من أبغض من أحب ألا يحتفل بأن صاحبته (غاظته) وأن يكبر نفسه عن أن يغيظ امرأة. إنه متى أرخى هذين الطرفين سقطت هي بعيدا عن قلبه، فإنها معلقة إلى قلبه في هذين الخيطين من نفسه). وهي قطعة مقتبسة من كتاب (رسائل الأحزان) وهو تاريخ حب للرافعي انقلب إلى بغض كما بين ذلك سعيد العريان في فصوله لمن لم يكن قرأ ذلك الكتاب، فالقطعة تدور كلها وتتوقف استقامة معناها على كلمة (أبغض) الواردة في أولها. لكن سيد قطب لما لم يجد فيها كما هي موضعاً لتهكمه ولا دليلاً على مزاعمه عمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>