للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نظر الرافعي وأخواه في ديوان العقاد معاً ساعات طووه بعدها، وأشار الرافعي على مخلوف فكتب، وهاج به العقاد ساخراً منه ومن دار العلوم، ولام مخلوفاً إخوانه على تهييج العقاد بدار العلوم، وألقى العريان تبعة ذلك اللوم على الرافعي يريد تحريكه لنقد الديوان؛ وتحرك الرافعي للنقد بعد تردد، ولكنه بعد إذ عزم مضى لا يبالي بما كان للعقاد يومئذ من سلطان مكنه له الأدب السياسي لدى القراء، ولا يعتبر إلا مذهبه في الأدب وطريقته، وسواء عنده أكان رأيه هو رأي الجماعة أم لا يكون ما دام ماضياً على طريقته ونهجه كما يصف العريان.

أي شيء في هذا يا ترى مما يمكن أن يؤخذ على الرافعي من قريب أو من بعيد؟ لا شيء! لا شيء يمكن أن يراه الناقد إلا ناقداً ينظر في أعمال الرافعي بمجهر البغضاء ثم لا يرى إلا ما يصوره الخيال. إنها حكاية واقعية غير عادية تصور الرافعي أستاذاً في مدرسته يلقي على تلميذين وزميلين له درساً عملياً في النقد وفي ما ينبغي للناقد من نزاهة في الحكم، وتحرز من الهوى عند الخصومة وشجاعة في المنازلة إذا لم يكن من المنازلة بد، وتضحية في سبيل الغاية، واستمساك بما يعرف أنه الحق. أما ما ارتآه العريان من تحفز كان بالرافعي لعراك العقاد فالعبرة فيه بأن ذلك لم يسرع بالرافعي إلى تحيف العقاد وظلمه في ديوانه أو هضمه. وفي رأينا أن هذا مظهر لفارق أساسي آخر بين المدرستين: مدرسة الأدب الأخلاقي، ومدرسة الأدب غير الأخلاقي اللتين تتنازعان توجيه الأدب الآن، وهو فارق نعرف أثره في كتابة المنتسبين إلى كل من المدرستين، نعرفه في نزوع شاكر والعريان إلى الإنصاف حتى من أنفسهما وصاحبهما، وقد يغلوان في ذلك أحياناً كما يشتد المدرس على ابنه التلميذ في فصله مبالغة في العدل بين طلبته، وتعرفه في نزوع سيد قطب إلى التزيد والتحريف والإسراف.

أما شاكر فأنه أيضاً لم يسلم مما أصاب العريان من تحريف لقوله في الرافعي. وقد مثل معه سيد قطب حكاية عمرو مع أبي موسى من جديد. لكن يكفينا الآن ما كتبنا في تبيين القسم الأول من مغالطات قطب وتحريفاتها لننتقل إلى تحريفه أقوال الرافعي وهو أهم القسمين.

إن آخر مثال ضربناه في المقال الماضي لسوء فهم قطب هو في الواقع أول مثال لتحريفه

<<  <  ج:
ص:  >  >>