للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهم يعتقدون أن للتصلب في الرأي والتعصب للعقيدة أسبابا جمة منها: (شدة تعصب المرء فيما يعتقده بقلبه من غير بصيرة، وأخرى إعجابه بنفسه في اعتقاده، وأخرى اعتقاده أصولا خفي فيها خطأه بين ظاهر الشناعة في فروعها. ولهذا فهو يلزم هذه الشناعات في الفروع مخافة أن تنتقض عليه الأصول، فيطلب لها وجوه المراوغة عن إلزام الحجة عليه: تارة بالشغب، وتارة يموه وتارة يروغ في الجواب والإقرار بالحق ويأنف أن يقول: (لا أدري)

على أن أخوان الصفا لا يمقتون التصلب في الرأي كل المقت لأنهم يرون فيه فوائد تغطي على بعض مضاره. يرون أن اختلاف العلماء في آرائهم وتعصبهم لها يدعوان إلى شحذ الافكار، لان كل فريق يحاول أن ينصر مذهبه على مذهب غيره مما يدعو إلى الغوص على المعاني الدقيقة، والنظر إلى الأسرار الخفية، فيكون ذلك سبباً في يقضة النفوس.

كذلك هم يرون أن اختلاف العلماء يدعو لي نشر معائبهم، إذ يكون هم كل واحد تبيان مساوئ الآخر وإظهار رذائله، فيكون ذلك حاثاً للجميع على ترك الرذائل.

ويرون أيضاً أن هذا الاختلاف في الآراء والمذاهب يوجد مضطرباً أوسع في أمور الدين وممارسة شعائره.

وقد قادهم تساهلهم إلى هذا الدين العملي: وهو اعتبارهم: أن العبادة ليست كلها صلاة وصوماً، بل عمارة الدين والدنيا معاً، لان الله يريد أن يكونا عامرين)

وللإخوان رأي جميل في اختيار الأصدقاء والوفاء للصداقة الصادقة فيقولون:

(ينبغي لك إذا أردت أن تتخذ صديقاً أو أخاً أن تنتقده كما تنتقد الدراهم. واعلم بأن إخوان الصدق هم نصرة على دفع الأعداء، وسلم للصعود إلى المعالي، فان غبت حفظوك، وإن تضعضعت عضدوك. والواحد منهم كالشجرة المباركة تدلت أغصانها بثمرها إليك، وأظلتك أوراقها بطيب رائحتها، وسترتك بجميل فيئها. فإذا أسعدك الله يا أخي بمن هذه صفته فابذل له نفسك ومالك وق عرضه بعرضك، وافرش له جناحك، وأودعه سرك، وإن هفا هفوة فاغفرها له، وإن زل زلة فصغرها في عينيه).

هذا بعض ما في رسائل الإخوان من طرافة في التفكير، وهدى في البحث، وجدة في التعليل والتفسير. وعسى أن يتاح لهذه الرسائل من يكشف كشفاً أعم وأشمل عما استتر فيها

<<  <  ج:
ص:  >  >>