مثلهم. وهكذا أيضا كثير من الصبيان إذا نشأوا مع الصبيان والمخانيث فانهم يكتسبون أخلاقهم، وعلى هذا القياس يجري حكم سائر الأخلاق التي ينطبع عليها الصبيان منذ الصغر)
وإخوان الصفا يوصون بأن يدأب المعلم (ولفظهم صاحب الشريعة) في دراسة تلاميذه والتفطن إلى احوالهم، والانتباه إلى أخلاقهم وسجاياهم واحداً واحداً (حتى يعرف كل واحد منهم، ما اسمه وما نسبه وما صناعته وما هو سبيله في أمر معاشه وما هو الغالب عليه من الطبع الجيد والرديء وحتى يثق بهم علما ويتبين منازلهم، ويستعين بكل واحد منهم في العمل المشاكل له، ويستخدمه في الأمر اللائق به)
تقرأ هذا فيخيل إليك أن إخوان الصفا مطلعون على فلسفة التربية الحديثة التي تصر على وجوب دراسة الطلاب دراسة دقيقة منظمة تقضي إلى فهم كفايات كل طالب ليعطي من الدروس والأعمال ما يتلاءم وأعظم هذه الكفايات بروزاً وأكثرها خيراً مأمولا.
والأخلاق عند إخوان الصفا خاضعة لفعل الوراثة ولفعل الوسط الطبيعي والوسط الاجتماعي ولشيء آخر هو فعل الكواكب فيهم يقولون:
(اعلم يا أخي إن أخلاق الناس وطبائعهم تختلف من أربع جهات: أحدها من جهة أخلاط أجسامهم ومزاج أخلاطها، والثاني من جهة ترب بلدانهم واختلاف أهويتها، والثالث من جهة نشوئهم على ديانات آبائهم وعادات معلميهم وأساتيذهم ومن يربيهم ويؤدبهم، والرابع من جهة موجبات أحكام النجوم في أصول مواليدهم، وقد تكلم إخوان الصفا في الأخلاق كثيراً ولا نستطيع أن نعطيك رأيهم إلا في النذر القليل.
يعجبك حقا من إخوان الصفا اقتناعهم اقتناعا عميقا بفائدة التساهل. فلسفتهم الانتخابية قد بنوها على هذا المبدأ. فالأديان والشرائع كلها عندهم سواء. وليس لدين فضل على دين إلا بمقدار ما فيه من صدق وإصابة. ولذا فهم ينصحونك بان تخضع دائما للحق وتحترمه أنى كان مصدره. واليك ما يوصون به:
(لا تتمسك بما أنت عليه من دين ومذهب واطلب خيراً منه، فأن وجدت فلا يسعك الوقوف على الأدون، ولكن واجب عليك الأخذ بالأخير. ولا تشغلن بذكر عيوب مذاهب الناس، ولكن انظر هل لك مذهب بلا عيب؟