للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بصورة جلية تجعل المرء يعتقد أن ميلهم إلى الوحدة العربية لا بد أن يكون مبيناً على أسس غير الأسس الدينية. وهذا ما قاله لي عربي من كبار رجال التعليم في بيروت:

(لا بد لنا إذا أردنا الحياة من أن نتعاون في الأمور العسكرية والاقتصادية، ولا يتحقق هذا التعاون إلا بواسطة الوحدة العربية أو - في بادئ الأمر - الوحدة السورية. إن الناحية العنصرية لا تهمنا كثيراً، ولكن اشتراكنا في اللغة وتحملنا نفس المصاعب لما يدفعنا للسعي وراء نوع من أنواع الاتحاد. قد تختلف بلاد مصر ونجد والحجاز وشرقي الأردن وسورية والعراق الواحدة عن الأخرى، إلا أن أمام كل واحدة منها مشاكل متشابهة يجب حلها، منها تعليم الفلاحين والبدو وسكان الجبال، وتعميم الوسائل الحديثة لحفظ الصحة العامة، ورفع المستوى العام من الناحيتين الثقافية والاجتماعية. إن التعليم في مصر نفسها لا يتعدى طبقة محدودة راقية. وهناك رابطة التاريخ المشترك التي تعطينا الحق في أن نفتخر بماض زاهر، ونسعى لإحياء ذكرى هارون الرشيد. ولعلك تعتبر هذه الرابطة خيالية وعاطفية، ولكني أؤكد لك أننا نعتبرها دافعاً حقيقياً وقوياً لنا في نهضتنا. إن الماضي يمكن أن يصبح حاضراً مرة ثانية إذا اتحدنا مع سورية أولاً، ثم مع الأقطار العربية الأخرى)

قد يظن البعض أن العرب الذين يعتنقون فكرة الوحدة السورية غارقون في بحر من الأوهام. والواقع أن فكرتهم هذه بالرغم من غموضها لأجدر بالتقدير من فكرة الرجال الرسميين ذوي الخبرة الواسعة وأتباع الحقيقة دون الخيال الذين أتضح لي أن تفكيرهم محصور لا يتجاوز مراميهم القريبة. لقد وجدت أنصار الوحدة السورية من العرب عنيفين وغير منظمين، إلا أني واثق في نفس الوقت من أنهم أصحاب بصيرة، وأن نار إيمانهم بمثَلهم الأعلى لتتأجج تأجج النيران العظيمة في باطن الأرض

وقد اتضح لي - كما كنت أتوقع - أن كلا الفريقين: الرسمي والعربي كان متطرفاً قد خفي عليه جزء من الحقيقة. وهذا أمر طبيعي في بلاد أصبحت القومية فيها قوة ذات قيمة بالرغم من حداثة عهدها. والواقع أن ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الثروة قد ولدا في اللبنانيين ميلاً إلى احتراف السياسة سواء كانوا من السياسيين المسيحيين أم من المسلمين. وقد سلم بعض العرب في لبنان بالفكرة الفكرة القائلة بأن البلاد لا يمكن أن تستغني عن فرنسا، وأن الصواب يقضي بالاعتراف بالأمر الواقع ونبذ أحلام الوحدة العربية. وهذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>