الشعور بالانخذال قد جعلهم أقل إيماناً بتحقيق المثل العليا في عرب سورية. ومن نتيجة ذلك - على ما يقال - أن الأغراض الشخصية تلعب في بيروت دوراً أعظم من الذي تلعبه في دمشق
النصرانية العملية
إن أعظم مشكلة معقدة يجابهها لبنان هي مشكلة الدين، فإننا نرى من جهة أن المزج بين السياسة والدين قد حشر الدين في أمور غريبة عنه في الأصل. ومن جهة أخرى فان الدين قد أصبح بعيداً كل البعد عن أسسه المشروعة
ليست حكومة لبنان حكومة حزبية ولا هي بالحكومة ذات الاختصاص الفني البعيدة عن الأحزاب، وإنما هي حكومة تتشكل من ائتلاف دائم يمثل الطوائف المختلفة. فان كلا من الوزير والموظف الإداري والمعلم وطبيب البلدية يعين بالنظر إلى طائفته لا بالنظر إلى مقدرته الفنية. وقد أدى تدخل الكنيسة في السياسة إلى إساءة الاستعمال كما أدى إلى انحطاط عام في الدين. وقد كاد جميع من تحدثت إليهم (وبينهم أستاذ الجامعة والسياسي والتاجر وصاحب العمل الحر والمسيحي والمسلم) يجمعون على الشكوى من أعمال الكنيسة السياسية، ومع ذلك فلم أجد لدى أحد ما الجرأة الكافية لمعالجة هذا الموضوع
إن الفرنسيين يفتخرون في بلادهم بفصل الدولة عن الكنيسة، ولكنهم في لبنان قد استعملوا الاكليروس الماروني منذ البدء لتحقيق غاياتهم السياسية. إن كليات اليسوعيين الفرنسيين ومدارسهم نفسها قد أصبحت مراكز للدعاية الفرنسية، حتى إن أكثر القسيسين الفرنسيين يعتبرون أنفسهم جنوداً يخدمون الراية المثلثة الألوان كما يخدمون الصليب. وقد شعر رجال الاكليروس من غير الموارنة أنهم لا يجوز أن يتأخروا عن إخوانهم في هذا المضمار فدخلوه بدورهم، وأخذوا يستعملون نفوذهم الديني لتحقيق الأغراض السياسية. أما المسلمون فان دينهم في الأصل لم يفرق بين القوانين الدينية والمدنية، ومع ذلك فقد كانت سلطة الأئمة والمفتين في الأمور غير الدينية لا تشمل غير الأفراد التابعين لهم. أما الآن فقد أصبحوا هم أيضاً يلعبون دوراً سياسياً
إن الدولة المنتدبة لم تعمل شيئاً للوقوف في وجه حركات رجال الدين السياسية، بل هي على العكس قد شجعتهم عليها لأنها أدركت أن أي خلاف ينشب بين فئات متباينة من أهل