للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البلاد من شأنه أن يقوي مركزها. إن روح الاستخفاف التي تنطوي عليها هذه السياسة قد بينتها جريدة الطان بجلاء، إذ أشارت في مقال لها في شهر يناير عام ١٩٢٦ إلى مهمة المسيو دو جوفنيل المندوب السامي الجديد بهذه لعبارة: (إن وظيفة المسيو دو جوفنيل لواضحة تماماً: فهو يجب أن يفرق لكي يسود) على أن خطر هذه السياسة قد أخذ يتناول الفرنسيين أنفسهم، فالمارونيون شرقيون في الدرجة الأولى وإن كانوا نصارى؛ ولا رغبة لديهم في أن ينقادوا لفرنسا انقياداً أعمى. ومن المحتمل أن يجدوا أنفسهم في المستقبل في صف المسلمين

والإنصاف يقضي بأن نعترف بأن اشتغال رجال الدين بالسياسة لم يمح كل أثر للشعور الديني، فإننا نجد بين النصارى طائفة لا تزال شديدة التمسك بالدين، ألا وهي طائفة الأرمن، وكذلك الفلاحون في الجبال الذين يختلفون عن باقي فلاحي الشرق الأدنى بسمو أخلاقهم. أما الإسلام فهو منذ الحرب العظمى قد أخذ نفوذه يضعف. وأما الدروز فأنهم على الرغم من تمسكهم بدينهم كادوا يفقدون تأثيرهم في حياة المجتمع الروحية بسبب اعتصامهم وراء طقوس دينهم السرية

إن الكثيرين من مثقفي النصارى والمسلمين لا يفرقون بين الدين كما هو معروف في بلادهم وما تتطلبه الحزبية من دسائس وفساد. وهذا ما حمل بعضهم على الافتخار بأنه لا ديني؛ ففي بادئ الأمر كنت أستغرب قول بعض المتمسكين بتعاليم الدين لي بأنهم ضد الدين، ولكني ما لبثت أن أدركت أنهم يقصدون بذلك أنهم ضد رجال الدين

إن الحكومة اللبنانية تشعر بضعفها وهي لهذا لا تجرؤ على السعي للقضاء على نفوذ رجال الدين السياسي لكيلا تعرض نفسها لغضب قسم من رعاياها عليها

(يتبع)

علي حيدر الركابي

<<  <  ج:
ص:  >  >>