فلم نزر حديقة الحيوانات كما لم يزرها ناظرنا الذي كان يتوهم أن الأسود فيها تربط بالسلاسل
ودخل علينا مرة ونحن نتلقى درساً في الحساب فوجد المدرس يملي علينا مسألة خلاصتها أن فلاناً أقرض فلاناً مبلغاً من المال بفائدة كذا في المائة، فاستوقفه الناظر وقال لنا أن المسألة غلط، وطلب منا أن نبين موضع الغلط فيها، ويظهر أن المعلم كان أعرف منا بالناظر فقد اكتفى بالابتسام، ورحنا نجيب بما يخطر لنا والناظر يرفض كل جواب. وأخيراً التفت إلى المدرس وقال له:(يا فلان أفندي المسألة كذب في كذب فأرجو ألا تعلم الأولاد الكذب مرة أخرى) وخرج
وكان في كل مدرسة فرقة للعب الكرة ولكن أعضاء هذه الفرقة لم يكونوا جميعاً من التلاميذ، فأني أذكر أن المدرسة جمعت من كل تلميذ منا خمسة قروش لتدفع للوزارة (المصروفات المدرسية لرجل ضخم عملاق حليق اللحية والشاربين أحمر الوجه ليلعب مع الفرقة في المباريات مع المدارس الحكومية الأخرى، وكان هذا العملاق المخيف يجيء إلى المدرسة وقت الظهر ويخرج منها بعد الغداء، وكانت مائدته تزدان بأنواع من المخلل يؤتى له بها خاصة. وكان إذا أحب أن يبقى في المدرسة نصف ساعة أو ساعة لا يجلس إلا في غرفة المدرسين وهناك تقدم له القهوة والسجاير فيشكر ذلك بهزة من رأسه، والساق على الساق والسيجارة في فمه انتظاراً لمن ينهض إليه ليشعلها له من المدرسين. وكنا نحن نتزاحم على الباب والنوافذ لنفوز برؤية هذا المنظر
أظن هذه الخطوط كافية لرسم صورة واضحة لمدرستنا الابتدائية الحكومية في ذلك العهد. والآن أنتقل إلى طائفة أخرى من الصور للمدارس الثانوية
كان التعليم الثانوي انتقالاً بأدق المعاني فقد صار كل ما في المدرسة إنجليزياً - الناظر والمدرسون والتعليم - ما عدا اللغة العربية. وأنا إلى هذه اللحظة لا أعرف كيف كنت أنجح في الامتحانات، وأكبر ظني أنهم كانوا يترفقون بنا ويعطفون علينا ويتساهلون معنا ويتركوننا ننجح على سبيل الاستثناء. وأدع غير وأقتصر على نفسي فإني أعرف بها، فأقول إني ما استطعت قط أن أفهم علوم الرياضة أو أن أقدر فيها على شيء، ومع ذلك كنت أنتقل من سنة إلى أخرى بلا عائق. وكان الأساتذة يختلفون فمنهم الفظ ومنهم الرقيق،