وأما كتاب الأغاني فأعطاه صلب القصة وأساس البناء في سطور يرويها من خبر (سلاّمة المغنية) جارية يزيد بن عبد الملك، وقد وقع الرافعي على هذا الخبر اتفاقاً في إحدى مطالعاته في كتاب الأغاني
وأما أحاديث الشبان فحفزته إلى إنشاء هذا الفصل ليضربه مثلا لسمو الحب يصحح رأي الناس في الحب ويكون منه لشباب الجيل درس وموعظة
في هذا الفصل يجد كل سائل جوابه إن كان يعنيه أن يعرف كيف يجتمع الدين والمروءة والحب في قلب رجل كالرافعي يعرفه الناس فيما يكتب شيخاً من شيوخ الدين فيه تحرج وخشية، ويعرفه من يعرفه من أصحاب مجنونَ لَيْلَياتٍ وقيسَ لُبنَيات!
. . . ولكي ينتفع الرافعي بوقته في رمضان كان يتخفف من طعام الفطور، ثم يجلس مجلسه بعد العشاء للإملاء؛ فإذا فرغ من الكتابة أو الإملاء تناول السَحور، فيعوِّض فيه بعض ما فاته من فطوره ثم ينام!
على أنه لم يجد راحته في هذا النظام أيضاً؛ فلما كان الأسبوع الثالث لم يجد في نفسه خفة إلى العمل، فعاد إلى أوراقه القديمة يبحث بينها عن شيء يصلح للنشر ليستريح أسبوعاً من العمل، فوقع على ورقات من مجلة المقتطف في سنة ١٩٠٥ كان قد نشر بها قصته الأولى:(الدرس الأول في علبة الكبريت)، فعاد إلى قراءتها، فلما فرغ من القراءة التفت إلي قائلا:(هذه قصة ينقصها السطر الأخير) قلت: (وماذا يكون هذا السطر؟). قال:(اسمع: هذا غلام سرق علبة كبريت منذ ثلاثين سنة فحوكم بها وحكم عليه. . .) قلت: (نعم!). قال:(فما تظن هذا الغلام الآن بعد هذه الثلاثين؟) قلت: أراه الآن رجلاَ يفلح الأرض أو يعمل بالفأس في حجارة أبي زعبل!)
قال:(هذه الأخيرة أمثل به؛ لقد تلقى الدرس الأول في علبة كبريت فقاده إلى الحبس، فهل تراه بعد هذه الثلاثين إلا قد أتم دروسه ووقف على عتبة المشنقة. . .؟ أكتب. . . أكتب)
وأملى على مقالة (السطر الأخير من القصة)
لم يغير الرافعي هذه المقالة عن أصلها فيما عدا الخاتمة وعبارات قليلة؛ وزاد عليها شيئاً من المحاورة بين الغلام وقاضيه؛ وما كان حرصه على بقائها كذلك إعجاباً بها، ولكن كأنما