ردته هذه المقالة إلى شيء من ماضيه تروَّح فيه من روح الصَّبي والشباب؛ فمن ذلك كان إبقاؤه عليها ليبقى فيها روح الصَّبي والشباب!
وفي الأسبوع التالي - وهو الأسبوع الأخير من رمضان - أملي على قصة (الله أكبر)
وهي بسبيل مما سمع من أحاديث الشبان عن الحب، وهي رُقية ثانية من رُقى الحب الداعر: كانت الرُقية الأولى هي كلمة (برهان ربه) في قصة سموّ الحب، وكانت الرقية هنا هي كلمة (الله أكبر)
وأول الأمر في هذه المقالة أنني كنت جالساً إلى الرافعي في القهوة نتحدث في شأن ما، وساقنا الحديث مساقه إلى بعض شئون العيد، ولم يكن بيننا وبين عيد الفطر إلا أيام، وقال الرافعي:(. . . وأنا لو ارتدّ إليّ السمع لن يطربني شيء من النشيد ما كان يطربني في صدر أيامي نشيد الناس في المساجد صبيحة يوم العيد: الله أكبر الله أكبر! يعج بها المسجد ويضج الناس. . . ليت شعري هل يسمع الناس هذا التكبير إلا كما يسمعون الكلام! الله أكبر! أما إنه لو عقل معناها كل من قالها أو سمع بها لاستقامت الحياة على وجهها ولم يضل أحد!)
ومضى يتحدث عن روح المسجد وفلسفة التكبير عند الأذان وفي كل صلاة، فما فرغ من الحديث حتى طرقنا زائر من روَّاد القهوة فحيا وجلس. . . وتنقل الحديث بيننا من فن إلى فن إلى فنون. . .
وتهيأ موضوع القصة في فكر الرافعي، فلما دعاني ليمليها عليّ لم يجد في نفسه إقبالاً على العمل، فوقف في الإملاء عند منتصف المقالة ونسأ البقية إلى غد، ثم كان تمامها
وفي صبيحة يوم العيد ذهب على عادته إلى المقبرة لزيارة أبويه وقد كان في الرافعي حرص شديد على ذكرى أبويه؛ فهما معه في كل حديث يتحدث به عن نفسه، وزيارة قبرهما فرض عليه كلما تهيأت له الفرصة؛ وما إيثاره الإقامة في طنطا على ضيقها به وجهلها مقداره إلا ليكون قريباً من قبر أبيه وأنه. وقد نقلته وزارة الحقانية مرة نقلة قريبة، فتمرد على أمر الوزارة وأبى الانتقال وانقطع عن العمل في وظيفته قرابة شهرين حتى ألغت الوزارة هذا النقل، وكانت كل حجته عند وزارة الحقانية في إيثار طنطا: أن فيها قبر أبيه وأمه!. . . وقد مات ودفن إلى جانب أبيه وأمه، فلعله الآن سعيد بقربهما في جوار الله