للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أولا لان حالة الاستقرار النسبي الذي تمتعت به ألمانيا بضعة أعوام اخذ يضطرب نظراً لاشتداد ساعد الحركات والأحزاب المعارضة لهذه السياسة، وتفكك الأحزاب التي تناصرها، ونهوض الحركة الوطنية الاشتراكية بالاخص، وثانيا لان نفوذ بريان في فرنسا اخذ في الضعف، أخذت الجبهة التي كانت تناصره تشعر بعقم سياسته أخذت الجبهة العسكرية القوية من جهة أخرى تقاوم كل تساهل جديد مع ألمانيا، وتندد بخطر هذه السياسة على سلامة فرنسا. وتفي بريان بعد ذلك بعامين (أوائل سنة ١٩٣٣) وكان اضطراب أفق السياسة الأوربية يزداد شيئاً فشيئاً. وظهرت ميول ألمانيا قوية في التحرر من أغلال معاهدة الصلح في مسألة التعويضات. ونزع السلاح، ومسائل الحدود التي تعتبرها ألمانيا جوهرية، لسلامتها، أصرت فرنسا على التمسك بنصوص المعاهدة بحجة المحافظة على سلامتها، وبدأ عهد من النضال الواضح بين الدولتين هو الذي نشهده اليوم في ذروة عنفه وأهميته.

هذه خلاصة موجزة لتاريخ ألمانيا بعد الحرب، وهذه هي نفس الحوادث والظروف التي نشأت في مهادها الحركة الوطنية الاشتراكية. فمنذ نوفمبر سنة ١٩١٨، أعني مذ نشبت الثورة التي انتهت بإعلان الجمهورية واختفاء الإمبراطورية من الميدان. وقيام الحكومة الشعبية الأولى برآسة ايبرت لتقبل شروط الهدنة؛ ومذ عقدت الجمعية الوطنية في فيمار (٦ فبراير سنة ١٩١٩) لتضع دستوراً ديمقراطيا لالمانيا؛ ظهرت في الميدان أقلية تصم بالخيانة العظمى تلك الكتلة الاشتراكية الديمقراطية التي أيدت الثورة واستولت على مقاليد الحكم، وقبلت الهدنة ثم معاهدة الصلح. وكان قوام هذه الأقلية بالأخص جمع من القادة والضباط القدماء أنصار الإمبراطورية: وكانت أثناء تلك الأزمات العصيبة التي غدت ألمانيا فيها فريسة الحرب الأهلية بين الديمقراطيين والشيوعيين بينما كان العدو الظافر يملي عليها شروطه ويثقل كاهلها بفروضه وأغلاله، ترقب مصاير ألمانيا في غمر من الحسرات واليأس؛ ولم تكن يومئذ قوية ولا ومنظمة، ولكنها كانت منذ الساعة الأولى تتلمس السبل لإنقاذ ألمانيا مما اعتقدت أنه منحدر الخطر والانحلال. وكان مركزها بالأخص في بافاريا، في مدينة ميونيخ التي لم يجرفها تيار الدعوة الاشتراكية كما جرف العاصمة البروسية (برلين). وكان التمزق الذي يسود جبهة اليسار (الديمقراطية

<<  <  ج:
ص:  >  >>