أن يحيا الحياة الفاضلة في حدودها الواسعة التي حدها الله، وبمظاهرها المختلفة في الفطرة كما طهرها الله، لا كما دنسها أو يريد أن يدنسها الإنسان، ويصف ما يتمتع به من تلك وما يلقي أو يتجشم في سبيل ذلك غير ناس لحظة أن الوجود كله من الله وأن الدين كله لله، وما يصف ويحلل يخرجه للناس على أنه هو الأدب. فأي الأدبين يا ترى أرحب وأسمى وأطهر، وأيهما أولى بالحياة وأصلح للبقاء؟ إنه لا شك عندي فيما تجيب به بفطرتك على هذا السؤال
إن أدب الفريق الأول هو ما يسمونه بالأدب الجديد ويمثله العقاد، وأدب الفريق الثاني هو ما يسمونه بالأدب القديم ويمثله الرافعي، وقد عرفت الآن فيم يتفقان وفيم يفترقان. الرافعي كما قلنا يتفوق على العقاد في التعبير وفي الخيال؛ وكلاهما يحتفل بالمعنى أكبر احتفال؛ غير أن الرافعي عنده نور يهتدي به ليس عند العقاد فكان لذلك أقل من العقاد عاباً وأكثر صواباً. لكن ذلك كله لا يكفي لأن يفرق بين أدبيهما تفريقاً يجعل منهما ممثلي مذهبين مختلفين في الأدب. إنما الخلاف الأساسي بينهما خلاف في الروح؛ هما من حيث الروح مختلفان كل الاختلاف، وعندك للحكم بين الروحين معيار صدق لا يخطئ هو معيار الدين. وإذا أردت معياراً جزئياً يغنيك عند التقريب فمعيار الخلق الفاضل. وإذا قست الأدبين بأحد هذين المعيارين لم يبق عندك شك في أيهما أولى بالإكبار وأصلح للبقاء لأنه أعون للإنسان على الارتقاء: الأدب الأخلاقي أم الأدب غير الأخلاقي، على ألطف وأخف تعبير
والمقياس الذي نبهنا إليه في الفن والأدب ليس من البعد عن الفن والأدب كما يصور العقاديون، بل هو من روح الفن والأدب في الصميم. أليس روح الفن والأدب والجمال، أليس الجمال النفسي روح الجمال الإنساني؟ ثم أليس روح الجمال النفسي إخباته وإخلاده وإسلامه لله؟ من هذا الإخبات والإخلاد والانقياد لله تأني الفضيلة والسلامة والسعادة في الحياة، ومن محبة الله سبحانه يشيع في النفس الهدى ويشع منها النور. فقل لي بربك كيف يمكن أن يكون لأدبهم المكشوف نصيب من روح الجمال الإنساني يستهوي النفس التي فيها بقية من الفضيلة والخير؟ إنا لا نشك في أن ذلك الأدب المكشوف مثل سارة وما إليها يصدم أول ما يصدم مقر الفضيلة من النفس ويؤذي أول ما يؤذي حاسة الجمال النفسي في الإنسان. فهو في صميمه أدب غير جميل، يلذه ويستمع به من مسخت نفسه فصارت تعاف