عصر مقبل كما أرجو؛ إنها كانت تلك التي بشرت أنه متى حان الوقت المناسب رفع العبء عن كواهل الناس جميعاً ومنح كل امرئ فرصة على قدر ما يمنح أخوه. . . تلك هي العاطفة التي انطوى عليها إعلان الاستقلال. والآن أسائلكم يا أصدقائي هل يتسنى خلاص هذه البلاد على هذا الأساس؟. . . إذا أمكن ذلك فإني إن استطعت أن أساعد على خلاصها أعد نفسي من أسعد الناس في هذا العالم. أما إن كان من المستحيل خلاصها إلا أن يضحي هذا المبدأ، فإني أفضل أن أغتال في هذا المكان على أن أضحي به. والآن أرى من شواهد الحال القائمة أنه ليس ثمة من ضرورة إلى سفك الدماء والحرب. ليست ثمة ضرورة إليها؛ وإني لا أميل إلى اتجاه كهذا؛ وأضيف إلى ذلك أنه لن تقوم حرب إلا إذا أجبرت الحكومة عليها؛ ولن تلجأ الحكومة إلى القوة إلا إذا أشهر في وجهها سلاح القوة. . . أي أصدقائي! هذه كلمات جاءت على غير ترتيب سابق ألبتة؛ فأنا لم لأكن أتوقع قبل وصولي أن أدعى إلى الكلام هنا؛ لم أكن أحسب إلا أني سأرفع العلم فحسب؛ وعلى ذلك فربما كانت كلمتي هذه خلواً من الحرص ولكني لم أقل إلا ما أريد أن أعيش به وما أريد - إذا كانت تلك مشيئة الله - أن أموت به. . .)
وذهب لنكولن في المساء إلى هرمسبرج وخطب الناس كما وعد؛ وكانت بلتيمور هي المدينة التي اعتزم المجرمون أن يقتلوه فيها وهي في طريقه إلى العاصمة؛ فعاد لنكولن إلى فيلادليفيا قبل الموعد المضروب، وركب ومن معه قطاراً عادياً كان قد استبقي بناء على إشارة قادمة ليحمل (طرداً) هاماً إلى وشنجطون وترك لنكولن القطار الخاص الذي كان معداً لسفره، فمر ببلتيمور قبل الموعد المعروف ففوت بذلك على الكائدين كيدهم فكانوا هم المكيدين. . .
وفي الساعة من صباح اليوم التالي وصل (الرجل القادم من الغرب) ومن معه إلى وشنجطون، فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها؛ اللهم خلا سيوارد ورجل آخر كانا على علم بمقدمه فلقياه. . . وركب لنكولن إلى فندق لينتظر بضعة أيام حتى يحتفل بتسليمه أزمة الحكم. . . دخل الزعيم لنكولن عاصمة البلاد في مثل تلك الساعة المبكرة وفي مثل تلك الحال المتواضعة ليجلس في كرسي الرياسة الذي جلس فيه من قبل وشنجطون، دخل ليحمل العبء وليبدأ في حياته مرحلة من الجهاد والجلاد دونها كل ما سلف من جهاد